مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم(2)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


29/12/2022 القراءات: 293  


2 - قال الإمام عبد الله بن المبارك: هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه قال: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ: يعني عليكم أهل دينكم. ولا يضركم من ضل من الكفار. وهذا كقوله: {فاقتلوا أنفسكم}، يعنى أهل دينكم. فقوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، يعني بأن يعظ بعضكم بعضاً، ويرغِّب بعضكم بعضاً في الخيرات، وينفره عن القبائح والسيئات. والذي يؤكد ذلك ما بينّا أنّ قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} معناه: احفظوا أنفسكم، فكان ذلك أمراً بأن نحفظ أنفسنا، فإن لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان ذلك واجباً.
3 - {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}: من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا، فإنكم خرجتم من عهدة تكليفكم، فلا يضركم ضلال غيركم.
4 - أنه تعالى قال لرسوله: {فَقاتِلْ في سَبيلِ اللهِ لاتكَلَّفُ إِلا نَفْسَك}، وذلك لا يدل على سقوط الأمر بالمعروف عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكذا ههنا.
من هذه الروايات التي نقلناها، والأقوال التي أوردناها في معنى الآية، يتبين لنا أنها لا تقدم رخصةً في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما هي تدل على وجوبه على المسلمين. هذا ما وضَّحه الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وسلم من معناها، وهذا ما وضَّحه الصحابة والتابعون والعلماء، وصحَّحوا للمسلمين الخطأ الذي وقعوا فيه حولها، وصوَّبوا لهم فهمهم لها.
وإذا كان مسلمون من أهل هذا الزمان، يعتبرون هذه الآية رخصةً لهم في القعود عن الواجب، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، فإننا نقدم هذه الروايات عن السابقين، والتصويبات التي قدَّموها للآخرين في فهمها، هديةً لهؤلاء، ليعرفوا كيف يفهمون القرآن ويتدبَّرون
آياته.
إن هذه الآية أشد آيةٍ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما نقلنا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه- وإنها أوكد آية في هذا الموضوع، كما نقلنا قول عبد الله بن المبارك رضي الله عنه.
1 - نفهم من الآية، أنها تطالبنا العمل في مجالين، وتطلب أن يكون هذا العمل على مرحلتين.
تأمرنا بالعمل في المجال الخاص: وهو الإقبال على النفس بالتربية والإصلاح، لتستقيم على الطاعة وتبتعد عن المعصية.
ثم تأمرنا بالعمل في المجال العام، وهو الإقبال على الآخرين، ووعظهم ونصحهم وتذكيرهم بالله، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
وتجعل من كل مجال منهما مرحلة: المرحلة الأولى هي العمل في المجال الخاص، مجال التربية والإعداد والتكوين، وأخْذ النفوس بهذا الدين، وإلزامها بتوجيهاته كاملة.
والمرحلة الثانيةُ: هي المبنية على الأولى والمكملة لها: وهي العمل في المجال العام والتوجه إلى الناس، ودعوتهم إلى الله، والقيام بواجب الأمر والنهي بينهم.
إنه لا بد من أداء الواجب في المجالين، وتحقيق كل من المرحلتين.
2 - وتقرر الآية أن ضلال الآخرين لن يضرنا إذا اهتدينا، ولكن الاهتداء لن يتحقق إلا إذا حملنا الإسلام كاملاً وطبقنا أوامره وتوجيهاته، ومن ضمنها الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يتحقق هذا عملياً، فإن الاهتداء لن يتحقق. كما قرر حذيفة وسعيد بن المسيب وغيرهما.
3 - وحتى لو كانت الآية تدل على الإِقبال على نفوسنا بالتربية والطاعة والعبادة، فإنها لا تعني ترك الآخرين وإهمالهم. لأننا نفهم من قرآننا وإسلامنا أن إصلاح النفس وتهذيبها وتربيتها، لا يتحقق إلا من خلال فى عوة الآخرين ونصحهم. لأن الإنسان لا يعيش معتزلاً في رأس جبل، وإنما هو في مجتمع الآخرين، فإذا ترك الآخرين ومعاصيهم وانحرافاتهم، فإنهم -هم وذنوبهم- سيؤثرون عليه، وعلى خطته التربوية وأسرته وأولاده. ولهذا يكون من لوازم التربية الفردية في قوله {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} لاتصال بالآخرين وتربيتهم ليتحقق المراد.
4 - ويعجبني قول ابن المبارك في معنى {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} يعني عليكم أهل دينكم، فلا يضركم كفر الكافرين، طالما أنتم أمة مسلمة على طاعة الله، ولن يتحقق هذا إلا بالأمر والنهي والدعوة.
***


نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم(2)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع