مدونة د. محمد ناجي عطية


تحليل الاحتياجات التنموية مدخل لرفع الكفاءة والفعالية في أداء القطاع الخيري (1 /2)

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


11/04/2022 القراءات: 1128  


بقلم د. محمد ناجي عطية ، باحث في المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) - جدة.

أدَّى بروز العولمة في عصرنا الراهن إلى توسُّع غير مسبوق في التقنية وأساليب التفكير، زادت معه قناعة العملاء بأهمية رفع مستوى جودة الأداء في المنتجات والخدمات التي تقدِّمها لهم مؤسَّسات المجتمع المختلفة، ممَّا دفع هذه المؤسَّسات إلى اللَّحاق بركب التطوُّر المعاصر الهائل، في محاولة لحجز مكانها الجديد فيه، وهذا كلَّفها الكثير من الموارد في سعيها إلى البحث عن الأساليب الحديثة في تحقيق رضا عملائها الذين صاروا أكثر ذكاءً ووعيًا باحتياجاتهم التي يعرضها المتنافسون في معركة ناعمة من التطوُّر التقني والفكري.

وهذا بدوره فرض على مختلف قطاعات المجتمع -ومنها مؤسَّسات القطاع الخيري- أن تعيش جولات من التوسُّع في الإنفاق على البرامج التي تظنُّ أنها تؤدِّي إلى رفع مستوى تميُّزها وجودة أدائها، سواء كان ذلك بواسطة تنفيذ البرامج التدريبية الحديثة التي يقدِّمها المدرِّبون الأكْفاء، أو المناهج العلمية الحديثة؛ مثل التخطيط الاستراتيجي، وبطاقة الأداء المتوازن، وبرامج الجودة المتنوِّعة، والتميُّز المؤسَّسي، وغيرها ممَّا تنتجه الأبحاث والمدارس الإدارية المعاصرة بكلِّ تنوُّعاتها وتعدُّد منابعها.

وهذه ظاهرة جيِّدة ومرحلة متقدِّمة في التفكير، خاصَّةً لدى صُنَّاع القرار في القطاع الخيري، بعد مُضِيِّ عقود من الزمن ساد فيها الاعتماد على أنماط محدَّدة في قيادة أعمالها وإدارتها، اعتمد أكثرها على محاكاة التجارِب المشابهة، والتركيز على برامج وأنشطة بعينها وتكرارها في مختلف مجالات القطاع، ورُكِّز فيها على أنواع من برامج تطوير الأداء ربما لا تتناسب مع مستوى الطموح والدور المأمول الذي تُنتظَر تأديته من هذا القطاع الحيوي والمهمِّ في حياة المجتمعات.

ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى رغبة قادة القطاع الخيري في اللَّحاق بركب التقدُّم الحضاري المعاصر، والاستفادة من نتاج الأبحاث والدراسات العلمية التي تتوارد بشكل مكثَّف ومتسارع، لكنَّ هذه الرغبة تظلُّ في حاجة إلى الكثير من إمعان التفكير في مدى ملاءمة هذه المنتجات الحديثة لواقع العمل الخيري من جهة، وتحقيق احتياجات المستفيد النهائي وأثرها في سدِّ حاجاته الحقيقية من جهة أخرى.

وكلُّ هذه المفاهيم تتأرجح بين عدد من المصطلحات الحديثة التي تؤثِّر تأثيرًا مباشرًا في طبيعة القرار لدى قادة القطاع الخيري في تبنِّي البرامج التي يتوقَّعون أنها ترفع من كفاءة أداء مؤسَّساتهم، وتلك المصطلحات هي: الأداء، والإنتاجية، والكفاءة، والفعالية، وعلاقتها باحتياجات المستفيدين بصفتها لبَّ العمل الخيري وغايته وسبب وجوده، إذ إنَّ ما دونها ليس إلَّا وسائل ومقدِّمات لنتيجة واحدة مفادها: ما أثر هذه المفاهيم وغيرها في تحسين الإنتاجية وتلبية احتياجات المستفيدين الذين يخدمهم القطاع الخيري؟.

إنَّ حسن التعامل مع هذه المصطلحات وفهم حقائقها ووسائل تطبيقها واستشراف عمق تأثيرها من قبل صُنَّاع القرار في مؤسَّسات القطاع الخيري صار ضرورة لشدَّة الاحتياج إليها في ترشيد العمل الخيري، وإعادة تركيز البوصلة على السبب الوحيد لوجودها وهو المستفيد النهائي، والذي يدفع هذه المؤسَّسات إلى توجيه جلِّ قراراتها في ذلك الاتجاه دون غيره، ولا سيَّما أنَّنا نعيش في عصر من أبرز سماته الترويج غير المسبوق للأفكار والبرامج الحديثة، وما رافقها من توفُّر للفرص الكبيرة والعروض المغرية الكثيرة، التي أفرزت تشتُّتًا ذهنيًّا كبيرًا قد يميل بقرارات القطاع بعيدًا عن مجالات تركيزه الأساسية.

وفيما يلي تفصيل للمصطلحات السابق ذكرها، في محاولة لتوضيح أوجه الترابط بينها، وعلاقة تحليل الاحتياجات التنموية بالأداء والإنتاجية والكفاءة والفعالية.

مفهوم الكفاءة يهتمُّ بالعلاقة بين المخرجات والمدخلات في عملية ما، ويمكن تلخيص معناه بالسؤال: هل حقَّقت المدخلات والموارد المبذولة في العملية المخرجاتِ والنتائجَ المرجوَّة منها؟ وكم تبلغ تلك النسبة؟

كما عُرِّفت الكفاءة Efficiency بتعريفات مشهورة أبسطها: «عمل الأشياء بشكل صحيح: Doing things right»، ويعني تحقيق النتائج المخطَّط لها بأقلِّ قدر ممكن من الوقت والجهد والتكلفة (3).

وتبذل المنشآت العامة والخاصة، ومنها مؤسَّسات القطاع الخيري، جهودًا كبيرة في تطبيق مفهوم الكفاءة؛ فعلى سبيل المثال، حينما تنفق جمعية ما موارد وتجهيزات بهدف ضبط دوام العاملين من خلال البصمة، وبعد التقييم تجد أنَّ تلك الموارد قد حقَّقت النتيجة المباشرة بنسبة كبيرة، يكون قد تحقَّق هنا «أداء العمل بشكل صحيح»، وهو معنى كفاءة المؤسَّسة في التخطيط والتنفيذ لبلوغ النتائج المباشرة. لكن السؤال الذي يبرز هنا: هل أداء هذا العمل الصحيح وتحقيق هذه النتيجة المباشرة يُعَدُّ كافيًا لتحقيق الإنتاجية والأداء الأمثل؟ إنه لن يكون كافيًا إلا إذا كان أصل هذا العمل صحيحًا، ومعنى هذا أنه يسير مع سير المنشأة نفسه في اتجاه أهدافها وليس في اتجاه آخر، فهو يسهم في تحقيق جزء محدَّد من منظومة الأهداف الكلِّية للمنشأة، ولا يصادمها.

وفي المثال السابق، يبرز السؤال التالي: بما أنَّ استخدام نظام ضبط دوام العاملين من خلال البصمة قد أدَّى إلى تحقيق كفاءة عالية في انضباطهم، لكن هل دُرِسَت مخاطر هذا الإجراء على معنويات العاملين؟ إذ إنَّه لن يكون صحيحًا وفعَّالًا إذا تسبَّب بشكل مباشر أو غير مباشر في تذمُّر العاملين وسخطهم، الذي يؤثِّر في ضعف الروح المعنوية لديهم، فيقود في النهاية إلى انخفاض مستوى إنتاجيتهم، والتأثير على الأهداف الكبرى للمنشأة، حينها يمكن الحكم على هذا الإجراء بأنه غير صحيح، وغير فعال ومحلُّ نظر، ولا يحقِّق الإنتاجية المثلى والأداء الأمثل.

يتبع (2/2)

المقالة الأصل/، رابط المقالة الأصل https://medadcenter.org/articles/5359


تحليل الاحتياجات - الكفاءة - الفعالية - أبحاث - دراسات - محمد ناجي عطية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع