جدلية الشعري واليومي في الظهور الأنطولوجي للشاعر البريسم / الجزء الأول
أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi
18/11/2022 القراءات: 545
إنَّ في الشعر موجودات تتبلور في وعي الشاعر من حيث كونها مفردات تفتح آفاق متعددة مع القارئ للنص ، أو المستمع للألقاء ، أو المتلقي للصور التي يريدها المرسل في رسائله المتعددة ، وما بين المفردة الشعرية وتصوراتها في الوعي بعد أن اصبحت هذه التصورات ظهورات عقلية في الوجود الذهني ، وما يتحتم على هذه الوجودات الذهنية من أعراض في العالم المعاش في تجربة الشاعر ، سواء أكانت هذه التجربة ذات منحى مؤقت جاءت بها الظروف العرضية التي أصبحت لها أثر في نتاج الشاعر ، أو كانت هذه التجربة متأصلة في وجدان الشاعر على مستوى الدلالات الفكرية وصياغة البنية المعرفية في أنتاج وعي ووجدان شعري ثر يرتكز عليه قاموس الشاعر الوجداني في استدعاء مفرداته الشعرية وجمالياتها وتشفيراتها التي يريد من خلالها إيجاد فعل أنطولوجي له أثر في الصورة المتلقاة من قبل متابعيه ومحبي قصائده ومفرداته التي تغازل أذهان المتلقين لشعره .
إنها أنطولوجيا مبنية على اعتبارات الماهيات المتشكلة في ذهن الشاعر ، هذا العالم المواز للعالم المادي ، وهذه الملكة القابلة لتصنيع مفردات يفارق بها الشاعر بين لغته الشعرية وما تنتجه من مفردات خاصة مميزة له ، وبين اللغة الحياتية اليومية ، على وفق هذه الجدلية بين الشعري المتعالي في الوعي وبين اليومي المقصود في أعادة أنتاجه يكمن الأبداع في صيغته الأنطولوجية ، ودلالاته للمفردات في صيغها الحياتية المتحولة في بعدها الشعري . القارئ العادي ليس معني بهذا المصنع الجمالي الذي ينتجه الشاعر ، بل هو معني بالبضاعة الجمالية التي يتلقاها وتحرك مشاعره من خلال الاقتران الواعي بين المفردة المتلقاة والأفق الخاص بالشاعر وتجربته الإبداعية .
في هذا المجال من الممكن أن نبحث عن مفردات كثيرة لدى الشعراء صاغوا تجربتهم الإبداعية قياساً لهذه الجدلية الانطولوجية بين الشعري والحياتي اليومي من جهة وبين الشعري في أطاره التاريخي الزمني في حياة الشاعر وبين التجارب التي صاغتها مديات حياة الشاعر في تأكيد الكثير من المفردات التي شكلت قاموساً دالاً عن الشاعر ذاته . ومن هذه المقدمة في المجال الجدلية الأنطولوجية بين الأفاق التي ذكرناها أعلاه نتناول تجربة الشاعر عبد الحسين بريسم الشعرية في (قرط النعاس) الصادر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لسنة 2022، هذه التجربة الشعرية التي حفلت بها مفردات عبرت عن المجال الأنطولوجي للشاعر ابتداءً من عنوانات قصائده ، ومنها قصيدة (قال أبي ) ،و (قرط النعاس) وهي عنوان إصداره ، وقصيدة ( انت جداريات العالم وصهيل خيولي ) ، وقصيدة ( الشعراء يتبعهم الغاوون ) ، وقصيدة ( نزف الشجرة) ، وقصيدة ( أغزلك لغة وأصيغك كلمات ) ، وغيرها من القصائد التي قد لا نستطيع تقديم دراسة في بعدها الأنطولوجي وافية ، كون هذا المقال يركز على هذه الجدلية في جانبها الأعم ، وليس في جزئياتها والتي تتطلب بحثاً عميقاً في هذا الإطار ، مما سنركز في هذا المقال على بحث ثلاثة من الصور التي تؤطر مفردات الشاعر في بعدها الأنطولوجي .
إنَّ في قصيدة قال أبي ، الموت والرياح والأشجار والفوضى هي مفردات شكلت في اشتغالها اليومي مواز شعري أنتجه الشاعر في لغة شعرية من وصايا الأب وقوله الذي لا يفارق وعي الشاعر في تدويناته على ورق الذاكرة في الأنتظار والخوف من انفراط عقد المنتظر كي لا تعم الفوضى وتذهب كل ما اراده الأب عن لسان الشاعر بعيداَ عن ينابيع الأهوار ، وهي الأصل الأنطولوجي في أصل الاباء والأجداد ، وفي المقطع الثاني من القصيدة تأتي ( اليابسة والماء والتراب والقميص والقمح ) ، لتعبر جسد الأب ووصاياه في لغة اليومي التشكل في تصورات الشاعر الذهنية وظهوراتها الواعية لغة شعرية غايتها الولادة بين اليابسة والماء والثمار في القمح والتمر ) ، لكن الموت يعود في ذاكرة الأب حين لا تمر العصافير ولا يستريح النهر ويبقى الأنتظار في باب الجنة وقمح الحياة . لغة الأب ، يومياته ، حياته ، مفرداته أنتجت صور ذهنية مأخوذة من عالمها الأنطولوجي لي ينتج بها الشاعر فضاءات شعرية ترتبت على وفق بنى جمالية في ذاكرة القول عند الأب والشاعر معاً في آفاق متحدة بين الماضي / الأب ، والحاضر / الشاعر.
الجدلية ، الشعري
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة