مدونة الدكتور صالح فليح زعل المذهان


صفات الله الذاتية الخبرية في القرآن الكريم دراسة لغوية دلالية صفة اليد نموذجًا

أ.د صالح فليح زعل المذهان | SALEH FLAYEH ZAAL ALMATHHAN


29/05/2021 القراءات: 8631  



قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )المائدة: ٦٤.
اختلف المفسرون في تفسير اليد الوردة في الآية الكريمة السابقة، فذهب فريق منهم إلى تأويل اليد بمعنى النعمة، أو القدرة، واحتجوا لذلك، فقال الإمام الواحدي(468هـ):" معناه: الوصف بالمبالغة في الجود والإِنعام"،( الوجيز في كتاب الله العزيز: 327)، وتبعه الإمام ابن عطية(541هـ)، والإمام القرطبي(671هـ)، والإمام الثعالبي(876هـ).
وأمَّا الفريق الثاني فأثبتوا اليد لله عز وجل، وجعلوها صفة له من صفاته الذاتية الخبرية، فقال الإمام الطبري(310هـ):" إن"يد الله"، هي له صفة، قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به العلماء وأهل التأويل"،( جامع البيان في تأويل القرآن :10/456.) وتبعه الإمام البغوي(516هـ) والإمام الألوسي(1270هـ).
وإذا ما نظرنا إلى الآية الكريمة نجد أنَّ اليهود- لعنة الله عليهم- وصفوا الله بأنَّ يده مغلولة؛ أي غير قادر على الإنفاق عليهم، والغلول في اللغة: الخيانة، قال ابن الأثير: الغلول الخيانة في المغنم والسرقة، وكل من خان في شيء خفية فقد غلَّ، وسميت غُلولًا؛ لأن الأيدي فيها تُغل؛ أي يُجعل فيها الغلول".( تاج العروس: مادة غلل).
والإغلال صفة لليد الجارحة، قال ابن منظور:" الأيدي فيها مغلولة؛ أي ممنوعة مجعول فيها غُل وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: جامعة"( لسان العرب: مادة غلل)
والمتأمل لكتاب الله عز وجل يجد أنَّ الأغلال جاء صفة للأيد، فالمجرم توضع يده في عنقه مغلولة، قال تعالى: (وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الرعد: ٥، وكذلك في سورة سبأ: ٣٣، وسورة غافر: ٧١ .
وحذر الله –جل ثناؤه- الإنسان من صفتين مذمومتين: هما الإمساك عن الإنفاق، والتبذير في الإنفاق وبين عاقبة هاتين الصفتين، فقال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا).الإسراء: ٢٩، فوصف الله- سبحانه- اليد الممسكة عن الإنفاق باليد المغلولة؛ وكأنها رُبطت في العنق لئلا تنفق من مال الله.
ووصف الله- عز وجل- يداه بأنهما مبسوطتان، والبسط في اللغة النشر، قال الصاغاني:" بسط الشيء : نشره". ( العباب الزاخر: مادة بسط)، وقال الأزهري:" بسط فلان يده بما يحب ويكره"، ( تهذيب اللغة: مادة بسط)، وقال ابن فارس:" الباء والسين والطاء أصل واحد، وهو امتداد الشيء في عِرَض، وغير عِرَض... ويد فلان بِسط إذا كان منفاقًا".( مقاييس اللغة: مادة بسط).
واقترنت صفة البسط في كتاب الله- جل ثناؤه- باليد الجارحة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) المائدة: ١١ ، وفي سورة الأنعام 93، وفي سورة الكهف:18، وفي سورة الممتحنة:2.
واليد في اللغة تطلق في الأصل على اليد الجارحة، قال ابن فارس:" الياء والدال: أصل بناء اليد للإنسان وغيره، ويستعار في المنة، فيقال: له عليه يدٌ، ويجمع على الأيادي واليدي، قال: فإن له عندي يُدِيًّا وأنعما، واليد: القوة، ويجمع على الأيدي، وتصغير اليد يُدَيَّةٌ، وجمع ناس يد الإنسان على الأيادي".( مقاييس اللغة: مادة يد)
واليد:" الكف، وقال أبو إسحاق: اليد من أطراف الأصابع إلى الكف، وهي أنثى محذوفة اللام، ووزنها فَعْلٌ يَدْىٌ فحذفت الياء تخفيفًا، فاعتقب حركة اللام على الدال، والنسب إليه على مذهب سيبويه يَدَوِيٌ". ( لسان العرب: مادة يد)، وقال الأزهري:" وجمع اليد من الإحسان أيادي ويدي".( تهذيب اللغة: مادة يد).
ويظهر مما سبق أنَّ كلمة( يد) في قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) المائدة: ٦٤.
تدل على أنَّ لله- عز وجل- يدًا ليست كأيدي المخلوقين، ولا يمكن تأويل هذه اليد بالقوة؛ إذ إنَّ القوة مصدر للفعل قَوِيَ، قال ابن منظور:"وقد قَوِيَ الرجل، والضَّعيف يَقْوَى قُوَّة فهو قَوِيٌّ ".( لسان العرب: مادة قوي)
ونخلص من ذلك كله إلى أن تأول اليد بالنعمة؛ أو القدرة يحتاج إلى قرينة تصرف معنى كلمة(اليد) إلى المعنى المجازي، ودلالة الكلمة في الآية السابقة دلت دلالة واضحة على أنَّ اليد الوردة في هذه الآية يد حقيقة ولكنها لا تماثل يد المخلوقين، يدل على ذلك قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى: ١١.
والحمد لله رب العالمين


صفات الله، الذاتية، الخبرية، اليد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع