مدونة أ. د. محمود أحمد درويش


دور الإعلام في حماية التراث والممتلكات الثقافية (4)

أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish


16/12/2022 القراءات: 406  


ومما لاشك فيه أن اتفاقية لاهاي أجازت وضع عدد محدود من المخابئ المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية المنقولة ومراكز الأبنية التذكارية والممتلكات الثقافية الثابتة الأخرى ذات الأهمية الكبرى تحت نظام الحماية الخاصة المادة (8/1/أ)، بمعنى أن الحماية الخاصة نظام قررته اتفاقية لاهاي لطائفة محدودة من الممتلكات الثقافية، في ظروف خاصة وشروط محددة والتي حددتها الاتفاقية في مادتها الثامنة حيث اشترطت لتمتع الممتلك الثقافي بالحماية الخاصة تحقق شرطيين موضوعيين:
الشرط الأول: يتمثل في عدم استعمال هذا الممتلك الثقافي لإغراض حربية يعني أنه لا يمكن أن يتمتع الممتلك الثقافي بالحماية الخاصة إذا استخدم لدعم المجهود الحربي وذلك باعتباره هدفاً عسكري ، هذا وإن الحراس المسلحين الذين وضعوا خصيصاً لحماية وحراسة الممتلكات الثقافية لا يعتبر وجودهم استعمالاً لإغراض عسكرية .
الشرط الثاني: أن يكون الممتلك الثقافي واقعا على مسافة كافية من أي مركز صناعي كبير أو هدف عسكري هام يعتبر نقطة حيوية، بالرغم من أهمية هذا الشرط إلا أنه يثير كثيراً من الإشكاليات وتكمن معضلته بجواز وضع مخابئ للممتلكات الثقافية تحت نظام الحماية الخاصة، مهما كان موقعها إذ تم بناءها بشكل يجعلها في مأمن من أن تمسه القنابل، وكما يجوز وضع الممتلكات الثقافية بجوار الأهداف العسكرية بشرط أن تتعهد دول الإطراف بعدم استعمال الهدف المذكور في حالة نشوب نزاع مسلح .
ويؤخذ على هذه الاتفاقية في وضعها لهذا الشرط في أنها لم تحدد ما المقصود بعبارة مسافة كافية إذا كان من الأفضل تحديد تلك المسافة لكي لا تفسر وتتضارب الآراء حولها من قبل الإطراف المتنازعة كل حسب ما تقضيه مصلحته ، وبالرغم من المحاولات لتخفيف من حده هذا الشرط وما ورد عليه من استثناءات لكنه لا يخلو من النقد، ذلك أن ظروف النزاع المسلح قد تجبر الدولة المتعهدة بعدم استخدام الهدف العسكري الواقع بالقرب من الممتلك الثقافي، أضف إلى ذلك أن الدول في حالة نشوب النزاع المسلح قد لا تبقى على تعهداتها التي التزمت بها قبل حدوث النزاع، كما وإن تطور تقنية الحروب واستخدام الأسلحة الحديثة مثل الصواريخ العابرة للقارات وأسلحة الدمار الشامل لا تدع مجالا للادعاء بأنه لن يمس الممتلك الثقافي ضرر من جراء استخدام الأسلحة، حتى وان كان محصنناً بشكل قوي وخير مثال على ذلك ما أوردناه في المثال السابق ذكره وهو خير دليل لتطبيق هذه الانتقادات.
ولا تتمتع الممتلكات الثقافية بشكل تلقائي بالحماية بمجرد توافر الشروط السالفة الذكر، بل اشترطت اتفاقية لاهاي على ضرورة قيد الممتلك الذي ترغب الدولة الطرف في الاتفاقية توفير الحماية الخاصة لها في السجل الدولي للممتلكات الثقافية الموضوعة تحت نظام الحماية الخاصة المادة (12) تحت إشراف منظمة اليونسكو ، ويعد هذا الشرط شكليا، أي أن الاتفاقية قررت إنشاء هذا السجل وتولت اللائحة التنفيذية للاتفاقية بيان نظامه (المواد 12-16). ويتبين إن الفائدة العملية من تسجيل الممتلك الثقافي تتمثل في أن هذا الموقع يكتسب عند قيده في السجل وضعاً خاصاً في حالة وقوع نزاع مسلح، وذلك لكي تحاط الدول الأخرى علماً، ومن ثم لا يمكن لها اتخاذ الإعمال العسكرية ضد تلك الممتلكات الثقافية.
ويتبين أن تدمير الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة لا تعكس ضرورة عسكرية، بقدر ما يقصد بها القضاء على هوية الخصم وتاريخه وثقافته بغية محو كل أثر لوجوده وتكون ضرورة سياسية لتحطيم معنويات الطرف الأخر ورموزه والروحية، كون هذا التراث يمثل هوية الدولة . وتجدر الإشارة أن اتفاقية لاهاي لم تقرر حماية خاصة لاماكن ودور العبادة بخلاف المادة (53) من البرتوكول الأول (1977) الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام (1949) التي جاءت شاملة لتلك الحماية الخاصة لكل من الأعيان الثقافية وأماكن العبادة، وأقرت الحماية نفسها في المادة (6) في البرتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف الأربع.


الإعلام الجديد، التراث الحضاري، الممتلكات الثقافية، النزاع المسلح، العولمة، الهوية الوطنية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع