مدونة خالد بن فتحي بن خالد الآغا


التذوق الجمالي في الشرع الإسلامي

خالد فتحي خالد الآغا | Khaled Fathi khaled Alagha


30/11/2020 القراءات: 777   الملف المرفق


الجمال سر من أسرار هذا الكون العظيم، لا من أسرار جاذبيته فحسب، بل من اسرار بقائه وحركته، وليس الجمال محصورا فيما نراه من التجليات الماثلة للعيان، كما نرى في جمال الطيور وأعشاشها، والأزهار وألوانها، بل ثمة جمال آخر كامنٌ في روح تلك التجليات وفي السنن والقوانين الحاكمة للعلاقة بين تلك التجليات من جهة، وبينها وبين الكون من جهة أخرى.
يشبه هذا إلى حد كبير الجمالَ الخفيَّ في نفس الشاعر والرسام، والذي يتجلى عند الشاعر في صورة القصيدة، وعند الرسام في اللوحة الفنية التي يرسمها، وفي الحالتين: كلما كان الجمالُ في نفس الشاعر أرهفَ حسا، وأصدقَ عاطفة كلما كان ظهورُه في القصيدة واللوحة أوفرَ حظا، فترى قصيدة حَيّةً، وصورةً ناطقَة، ولهذا قيل: الشاعر والرسام كلاهما يؤديان عملا واحدا، إلا أن الشاعر يعبر عما في داخله من الجمال بالكلمات، والرسامَ يعبر عنه بالنقوش والألوان.
في المقابل أيضا: جمال القصيدة الظاهر دليل جمالها الباطن، وهو الشعور الذي صدرت عنه وانبعثت منه، ويزداد جمال الباطن قيمة إذا كانت روحُه ساريةً في جِنْسِه، لأن الجمال حينئذ يشكل وحدة شعورية، فالقصيدةُ الجميلةُ لا تعبّر عن نفس الشاعر وحده، بل عن الضمير الجمعي للمجتمع، وهذا هو الذي يُكْسِبُها الشهرة والانتشار، فتخرج بذلك عن ضمير الفرد إلى ضمير الجماعة وتسري فيه، وهذا السريان من مضمون قوله تعالى: خلقكم من نفس واحدة.
الرسام حين يبدع اللوحة الفنية، يعبر عن كل صورة من صور الجمال في داخله بإبرازه في شكلٍ ولونٍ يناسبه، حتى إذا ما تكاملت هذه الصور وتَضامّتْ شكّلَتْ في مجموعها رسالة اللوحة.
وكذلك القصيدة، يتجلى جمالُها في أمور ثلاثة:
- جمال المفردات من الألفاظ
- جمال التركيب في الجمل
- وجمال المعاني التي تعبر عنها الألفاظ المفردة والتراكيب
القرآن الكريم، الذي هو قاعدةُ التشريع الإسلامي، وبنيانُهُ وعَمارتُهُ، تتجلّى فيه مظاهر هذا الجمال أعظم من تجليها في القصيدة ولوحة الرسام، وإذا كان مُرْهَفُ الحِسِّ مُتَذَوِّقُ الجمالِ يَسْتَشْعِرُ الرسالةَ الجماليّةَ وعُمْقَ أدائها للمَعْنى بمشاهدة اللوحة وسماع القصيدة، فإنه من باب أولى سيستشعر الرسالة الجمالية لعُمرانِ التشريع الإسلامي، وقوةَ النهر المعنوي المادِّ لذلك الجمال، ومما يُعين على هذا ملاحظة ما يلي:
- الأول: أن عمران التشريع الإسلامي هو الكونُ كله، ومساحة بُنيانه هي الأرض كلها، والعمر المُفْتَرَضُ لصلاحية البنيان هو الزمان كله، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
- الثاني: أن قواعدَ عمارةِ الشريعة تتفق تمام الموافقة مع القواعد الكونية القدرية، ولا تخرج عنها أبدا، فإن وُجد ما يخالف السنة الكونية القدرية فليس من عمران الشريعة وإن ظنه الناس كذلك
- الثالث: أن عُمران الشريعةِ متماسك عبر الزمان والمكان تماسكا في المظهر والجوهر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا له وللأنبياء قبله برجل بنى دارا فأحسن بناءها، إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ منها، فجعل الناسُ يقولون: ما أحسن هذه الدار لولا موضع هذه اللبنة!، ثم قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين.
- الرابع: جمالُ الشريعةِ ينبع من: كمال كل حكم من أحكامها في نفسه، ومن: تكامل أحكامها؛ حيث تُكمِّل أحكامها بعضُها بعضا، ومن الرسالة الجمالية الناشئة عن هذا التكامل، وهذه الرسالة من ثَمَّ تمثل رسالةَ الشريعة السامية وهدفَها الأعلى، وهذه المظاهر الجمالية كلها مستمدة من جمال الباطن، كما قلنا في القصيدة ولوحة الرسام، سواء بسواء.

للمتابعة يمكنكم تحميل الملف المرفق


الجمال، الشاعر، الرسام، القصيدة، الشعور، جمال التركيب، التشريع الإسلامي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


سعادة الأستاذ خالد فتحي خالد الاغا..حفظه الله ورعاه..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..مقال ممتاز ومميز..زادك الله علما وتقى ورفعة وجمالا ونفع بك وبعلمك.


فضيلة الأستاذ الدكتور مصطفى عبد الله أحمد خيري، أشكركم وأشكر لكم اطلاعكم الكريم على المقالة وتقييمكم لها، وقد أسعدني هذا التواصل العلمي، زادنا الله وإياكم علما وفهما وعملا، وجعل لنا ولكم لسان صدق الآخرين.