د.امل صالح سعد راجح


من يتق الله يجعل له مخرجا..

د.امل صالح سعد راجح | Dr.Amal Saleh Saad Rajeh


16/03/2023 القراءات: 241  


قال ابن جرير الطبري رحمه الله : كنت في مكة في موسم الحج ، فرأيت رجلًا من خرسان ينادي ويقول :
( يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي ، فقدت كيساً فيه ألف دينار ، فمن رده إليَّ جزاه اللّه خيراً وأعتقه من النار وله الأجر والثواب يوم الحساب )

فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له :
يا خرساني ، بلدنا حالتها شديدة ، وأيام الحج معدودة ، ومواسمه محدودة ، وأبواب الكسب مسدودة ، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير ، يطمع في عهد عليك ، لو رد المال إليك ، تمنحه شيئًا يسيرًا ، ومالًا حلالًا ؟!

قال الخرساني : فما مقداره ؟ وكم يريد ؟
قال الشيخ الكبير : يريد العُشر، مائة دينار، عُشر الألف.

فلم يرضَ الخرساني
وقال: لا أفعل ، ولكنى أفوض أمره إلى اللّه ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل !!

قال ابن جرير الطبري :
فوقع في نفسي أن ذلك الشيخ الكبير رجل فقير ، وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير !
فتبعته حتى عاد إلى منزله ، فكان كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته ويقول : يا لبابة ؟
فقالت له : لبيك أبا غياث
قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئاً ، فقلت له : أعطنا منه مائة دينار ؟ فأبى ، وفوض أمره إلى اللّه !!
ماذا أفعل يا لبابة ؟
لا بد لي من رده ، إني أخاف ربي

فقالت له زوجته :
يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ 50 سنة ، ولك 4 بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ، خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعى ، واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ، أو يقضي اللّه دينك .

فقال لها : يا لبابة ، أآكل حراماً بعد ما بلغت من العمر الكبر ؟ وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقري ؟ وأستوجب غضب الجبار وأنا قريب من قبري ؟!
لا واللّه لا أفعل .

يقول ابن جرير الطبري :
فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته !!!!

فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادي كما بالأمس ..

فقام إليه ذلك الشيخ الكبير ، وقال : يا خرساني ، قد قلت لك بالأمس ونصحتك ، وبلدنا واللّه قليلة الزرع والضرع ، فجُد على من وجد المال بشيء حتى لا يخالف الشرع ، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت
فإن وقع مالك في يد رجل يخاف اللّه عز وجل ، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا من بدلا من مائة ، يكون لهم فها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة ؟!
فقال له الخرساني : لا أفعل ، وأحتسب مالي عند اللّه ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل !!!!!

ثم كان اليوم التالي فنادى صاحب الدنانير ذلك النداء بعينه
فقام إليه الشيخ الكبير فقال له :
يا خرساني، قلت لك أول أمس امنح من وجده 100 دينار فأبيت ، ثم 10 فأبيت ، فهلا منحت من وجده ديناراً واحداً يشتري بنصفه إربة يطلبها ، وبالنصف الأخر شاة يحلبها ، فيسقي الناس ويكتسب ويطعم أولاده ويحتسب ؟'
قال الخرساني : لا أفعل ، ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل !!!!

فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال.

يقول ابن جرير : فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ منزله ، فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال: خذ مالك ، وأسأل اللّه أن يعفو عني ، ويرزقني من فضله.

فأخذها الخرساني وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ، قال :
يا شيخ ، مات أبي رحمه الله وترك لي ثلاثة آلاف دينار ، وقال لي :
أخرج ثُلثها ففرّقه على أحق الناس عندك ..
فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق
وواللّه ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى هاهُنا رجلًا أولى بها منك ، فخذه بارك اللّه لك فيه ، وجزاك خيراً على أمانتك وصبرك على فقرك !!
ثم ذهب وترك المال

فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول :
( رحم اللّه صاحب المال في قبره وبارك اللّه في ولده )

يقول الله تعالى:
{ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ }

والله الذي لا إله إلا هو ..
لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت :
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا }

.اللهم اكفينا بحلالك عن حرمك
واغنينا بفضلك عما سواك
ولا حول ولا قوة الا بالله


التقوى - الايمان- طاعة الله - مخرجا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع