مدونة مولاي مصطفى المقدم


مقومات النجاح في مهنة التدريس

مولاي مصطفى المقدم | moulay mustapha el mouqadim


29/12/2022 القراءات: 1635  




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد؛
فإن رسالة التدريس من أشرف الرسالات؛ لأنها مهنة الأنبياء والرسل، وأصحابُها هم ورثة الأنبياء، وهم طوق النجاة من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
يكفي المدرسَ شرفا قولُه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ.)( )
وإيمانا بأهمية دور المدرس في المجتمع، فإنني أحببت أن أقدم بين يدي زملائي جملة من المقومات التي يجب أن نستحضرها جميعا عند ممارستنا لهذه المهنة الجليلة؛ طلبا للنجاح فيها، وهي كالتالي:
المقوم الأول: تصحيح النية.
لابد أن يستحضر المدرس وهو يمارس مهمة التدريس أنه في عبادة عظيمة؛ لأن تعلُّم العلم وتعليمه من أجلّ القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، وخصوصا العلم الشرعي، قال الإمام أحمد رحمه الله: "العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، قالو: وكيف تصح نيته يا أبا عبدالله؟ فقال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره"( ) وقال الإمام النووي رحمه الله عزوجل: "ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله وألا يجعله وسيلة لغرض دنيوي فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات ليكون ذلك حاثا له على تصحيح النية ومحرضا له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم"( ).
المقوم الثاني- التمكن من المادة، والتحضير الجيد للدرس:
لا بد من اختيار المدرس المتمكن معرفيا على الأقل في كل مادة دراسية بالقدر الذي يسمح له بإعطاء المعلومات صحيحة، ومنظمة، خالية من الأخطاء العلمية واللغوية، ونقلها إلى أذهان المتعلمين صافية وسليمة.
ولا بد من تحضير كل درس تحضيرا جيدا ذهنيا وماديا على الورق، وفق الخطوات المنهجية المطلوبة، فمهما كان المدرس متمكنا من مادته، فلا يغنيه ذلك من التحضير الجيد، مع التجديد فيه باستمرار.
فالمدرس النشيط لا يمرُّ عليه يوم إلا وقد حاز فيه علما جديدا، وأتقن فيه ما عنده من علم قديم، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ)( )
وكُنْ مُستَفِيْدًا كُلَّ يومٍ زِيَادَةً * من العِلْمِ واسْبِحْ في بُحُورِ الفَوَائِدِ( )
المقوم الثالث: التحلي بأخلاق التدريس:
إن عملية التدريس لها جانبان: جانب تربوي، وجانب تعليمي، وهما جانبان متداخلان، بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر، فلا تربية بلا تعليم، ولا تعليم بدون تربية؛
فحاجة المتعلمين التربوية تقتضي من المدرس أن يكون متصفا بالصفات الآتية:
1. الإيمان والاستقامة:
إن الإيمان بالله، هو السبب الرئيسي في إنجاح عملية التدريس، وإن الاستقامة والعمل الصالح هما السبب المكمل، وقد جمع الله بينهما في آية واحدة في قوله الكريم: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) وهما من آثار الإيمان القوي، وفي مقدمة ذلك الحرص على أداء العبادات، والمُدرس أولى الناس بالالتزام بالعبادات على أكمل وجه؛ ليكون قدوة حية لمن يعلمهم، فيتفق قوله مع فعله؛ فيكون التأثير قويا والتربية فاعلة.
2. محاسبة النفس:
إن محاسبة النفس، وإلزامها بالواجب، ومنعها من التقصير، فيه مظهر من مظاهر قوة الإيمان، ولأنها تجعل المدرس يقظا، فلا يقع في الخطأ؛ فيقتدي به المتعلمون في ذلك؛ فيقومون بواجباتهم الدراسية ولا يقصرون.
3. التزام الصدق:
،على المدرس أن يتحلى بالصدق فلا يقول إلا صدقا ولا ينطق إلا حقا؛ ليكون بذلك قدوة لمن يعلمهم،
ومن صور الكذب على المتعلمين أن ينقل المدرس معلومات مغلوطة بسبب الإهمال والتقصير في الإعداد الجيد، وفي الحديث: (كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ)( ).
4. أداء الأمانة:
إن المدرس تحمل أمانة التربية، والتعليم، والتوجيه، والإرشاد، فالتلاميذ أمانة في أعناقنا، فيجب أن ننشئهم تنشئة حسنة؛ ليكونوا رجالا صالحين، عاملين منتجين، وهم في سن الشباب والفتوة. (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين).
5. التحلي بالصبر:
إن مهنة التربية والتعليم مهنة الصابرين؛ لأن المدرس يلاقي صعوبات كثيرة في إعداد نفسه لهذه المهنة، وفي إعداد درسه لتلاميذه، وفي التعامل معهم، فالعمل في التعليم جهاد إذا احتسبناه عملا خالصا لوجه الله.
فالمدرس ينبغي أن يصبر على التلميذ الضعيف؛ حتى يصبح قويا، ويصبر على التلميذ المشاغب؛ حتى يصبح مؤدبا، ويصبر على التلميذ المتهاون؛ حتى يصبح مهتما، ويصبر على التلميذ الكسول؛ حتى يصبح نشيطا، ويصبر على التلميذ المنعزل؛ حتى يصبح اجتماعيا... وهكذا، فمهنة التربية والتعليم ليست مهنة سهلة.
6. العفو والصفح:
المدرس أولى الناس بحسن المعاملة، فهو يقابل الإساءة من تلميذه بالصفح الجميل؛ حتى يخجل التلميذ من نفسه، ويفكر في الاعتذار، فلا يغضبُ إذا غضبوا، ولا يثور إذا ثاروا، بل يأخذهم باللطف واللين، إلى أن يكسب ودهم واحترامهم.
7. تقدير قيمة الوقت:
إن الوقت محسوب على المدرس، ومسؤول عنه؛ لذلك يجب عليه أن يكون منضبطاً في مواعيده وتوقيته؛ لأن كثيرا من مشكلات التدريس تبدأ بحضور المدرس متأخراً عن بدء الدرس، أو تأخره في إنهاء الدرس في الموعد المحدد، والتأخر في البداية والنهاية سلوك يظهر المدرس بمظهر المُهمِل أمام التلاميذ.
8. الاهتمام بحسن المظهر:
ينبغي للمدرس أن يكون حريصا على جمال مظهره، يرتدي ثيابا لائقة بمقامه الشريف، جسمه متناسق، ووجه مشرق، وابتسامته عريضة، يبدو عليه النشاط، ويرتاح لمظهره من يراه؛ لأن لحسن المظهر آثارا طيبة على نفوس المتعلمين (إن الله جميل يحب الجمال)


مقومات؛ النجاح؛ في التدريس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع