مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


في الْمعاشرةِ والْحِلْمِ وآثارِهِ

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


03/12/2022 القراءات: 416  


في الْمعاشرةِ والْحِلْمِ وآثارِهِ
والأسْبابِ الْباعِثةِ على ضبْطِ النفْسِ
الْحِلْم لغة الأناة والْعقْل لِكوْنِهِ سبب الْحِلْمِ واصْطِلاحا ضبْط النفْسِ والطبْعِ عِنْد هيجانِ الْغضب أوْ احْتِمالِ الأذى مِنْ الأدْنى وهو يرْجِع إلى الأولِ لأن منْ احْتمل الأذى مِمنْ دونه مع الْقدْرةِ عليْهِ فقدْ ضبط نفْسه عِنْد الْغضب .
وقال الْقاضِي عِياض : الْحِلْم حالة توقر وثبات . أيْ صِفة تورِث طلب وقار وثبوت فِي الأمْرِ واسْتِقْرار عِنْد الأسْبابِ الْمحركةِ لِلْغضبِ الْباعِثةِ على الْعجلةِ فِي الْعقوبةِ . ولا يسمى الْمرْء حلِيما إِِلا إِذا كان ذلِك طبْعا لا تكلفا وقدْ وصف الله بِهِ سيدنا إِبْراهِيم الْخلِيل عليْهِ السلام فقال ﴿ إِن إِبْراهِيم لأواه حلِيم ﴾ . وكما قال فِي ولدِهِ ﴿ فبشرْناه بِغلام حلِيم ﴾ .
قال الشاعِر :
ألا إِن حِلْم الْمرْءِ أكْرم نِسْبة تسامى بِها عِنْد الْفِخارِ حلِيم

فيا رب هبْ لِي مِنْكِ حِلْما فإِننِي أرى الْحِلْم لمْ ينْدمْ عليْهِ كرِيم

وقال الآخر :
أحِب مكارِم الأخْلاقِ جهْدِي وأكْره أنْ أعِيب وأنْ أعابا

آخر: فإِنْ كنْت ترْجو في الْعقوبةِ راحة فلا تزْهدنْ عِنْد الْمعافاتِ فِي الأجْرِ

آخر: فهبْنِي مسِيئا كالذِي قلْت ظالِما فعفْو جمِيل كيْ يكون لك الْفضْل

فإِنْ لمْ أكنْ لِلْعفْوِ أهْلا لِسوءِ ما أتيْت بِهِ جهْلا فأنْت له أهْل

آخر: ما كل من حسنتْ فِي الناس سمْعته وحاز قلْبا ذكِيا أدْرك الأملا

ما السمْع والْقلْب مدْن مِنْك منْفعة إِنْ لمْ يكنْ مثل ذا زهْدا وذاك تقى

آخر: أحب مكارِم الأخْلاقِ جهْدِي وأكْره أنْ أعِيب وأنْ أعابا

وأصْفح عنْ سِبابِ الناسِ حِلْما وشر الناسِ منْ يهْوى السبابا

ومنْ هاب الرجال تهيبوه ومنْ حقر الرجال فلنْ يهابا

فأما ضبْط النفْسِ عِنْد الْغضبِ مع التكلفِ فهو تحلم لا حِلْم فإِذا تكلف الإِنْسان الْحِلْم بِأنْ مرن نفْسه على كظْمِ الْغيْظِ مرة بعْد مرة أصْبح الْحِلْم له عادة .
وأصْل الْكظْمِ شد رأْسِ الْقِرْبةِ عِنْد امْتِلائِها وكظْمِ الْبابِ سده شبهِ بِهِ منْ أمْسك نفْسه وضبطها عِنْد امْتِلائِها بالْغضبِ فلمْ ينْتقِمْ مِمنْ أهاجه ومِنْه فلان كظِيم بِمعْنى ممْتلِئ حزْنا قال تعالى عنْ يونس : ﴿ إِذْ نادى وهو مكْظوم ﴾ أيْ غيْظا على قوْمِهِ إِذْ لمْ يؤْمِنوا لما دعاهمْ إلى الإِيمانِ .
والْغيْظ مرادِف لِلْغضبِ ولا يتِم حِلْم الإِنْسانِ إِلا بِإمْساكِ الْجوارِحِ كلها : الْيدِ عنْ الْبطْشِ واللسانِ عنْ الْفحْشِ والْعيْنِ عنْ فضولاتِ النظرِ وأقْرب لفْظ يسْتعْمل ضِد الْحِلْمِ التذمر .
وأما الْعفْو والصفْح فهما صورتا الْحِلْمِ فالْعفْو ترْك الْمؤاخذة بِالذنْبِ ، والصفْح ترْك التثْرِيبِ وهو محْمود إِذا كان على الْوجْهِ الذِي يجِب . بِأنْ لا يترتب عليْهِ إِخْلال بِالدينِ ، قال تعالى : ﴿ فاصْفحِ الصفْح الْجمِيل ﴾ تنْبِيها على ما يجْمل مِنْه .
وأما الصفْح فِي غيْرِ محلهِ فلا يصْفح حيْث اقْتضى الْمقام الْعقوبة ، كعقوبةِ الْمعْتدِين الظالِمِين الذِين لا ينْفع فِيهِمْ إِلا الْعقوبة .
وقدْ حث الله تعالى على ذلِك بِقوْلِهِ : ﴿ والْكاظِمِين الْغيْظ والْعافِين عنِ الناسِ ﴾ فأمر جل وعلا بِالْحِلْمِ والْعفْوِ وقال تعالى : ﴿ ولْيعْفوا ولْيصْفحوا ﴾ وقال : ﴿ فاعْف عنْهمْ واصْفحْ إِن الله يحِب الْمحْسِنِين ﴾ وقال : ﴿ فمنْ عفا وأصْلح فأجْره على اللهِ ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ ادْفعْ بِالتِي هِي أحْسن فإِذا الذِي بيْنك وبيْنه عداوة كأنه ولِي حمِيم * وما يلقاها إِلا الذِين صبروا وما يلقاها إِلا ذو حظ عظِيم ﴾ .
وقال الشاعِر :
واصْدقْ صدِيقك إِنْ صدقْت صداقة وادْفعْ عدوك بِالتِي فإِذا الذِي


وأما إِنْ كان الْحِلْم على منْ يعْتدِي على الدينِ أوْ الْعِرْضِ أوْ الْمالِ فهذا غايةِ الْجبْنِ ومنْتهى الذم نعمْ ينْبغِي لِمنْ يدافِع عنْ الْفضِيلةِ أنْ يضْبِط نفْسه عِنْد الدفاعِ فلا يسْرِفْ فِي الانْتِقامِ .


في الْمعاشرةِ والْحِلْمِ وآثارِهِ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع