مدونة بكاري مختار


تاريخ العصر المملوكي، قيام دولة المماليك البحرية - الجزء الأول -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


18/04/2022 القراءات: 851  


بعد نجاحها في طرد الصليبيين واستعادة دمياط عملت شجرة الدر على تدعيم مركزها الداخلي لتحتفظ بالسلطة ، فأخذت تتقرب من الخاصة والعامة، وتعمل على إرضائهم بشتى الوسائل ؛ لكن المصريين لم يتقبلوا أن تحكمهم امرأة ، وقد شعرت بهذا الحرج، فحرصت على ألا تبرز إسمها مكشوفا في المناشير . فكانت توقع بأسماء وتعابير تشير إليها مثل "والدة السلطان خليل" طفلها من نجم الدين أيوب ؛ كما حاولت الإنتساب للخلافة العباسية ؛ فجعلت صيغة الدعاء على المنابر : "احفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل، المستعصمية - نسبة إلى الخليفة المستعصم العباسي - صاحبة الملك الصالح "
وقد قامت المظاهرات في القاهرة، وحدثت اضطرابات عديدة مناهضة لحكمها، وكان من الطبيعي أن يقف الملوك والأمراء الأيوبيون في بلاد الشام، موقف العداء لهذا لنظام الجديد لانهم يعتبرون أنفسهم ورثة الصالح أيوب بالضرورة .
وخشي المماليك على نظامهم الجديد من منافسة الأيوبيين، واضطربت أوضاعهم، فتنادوا إلى اجتماع يعقد في قلعة الجبل، وقرروا الخروج للتصدي للأيوبيين إلا أنهم أحجموا عن ذلك ؛ واتجهوا نحو خليفة بغداد لإنقاذ حكمهم ، وإضفاء الشرعية عليه لكن خاب أملهم عندما عاب عليهم الخليفة تنصيب امرأة في الحكم، وقال قولته المشهورة : إن كان الرجال قد عدمت عندكم فأخبرونا حتى نسير إليكم رجلا .
ولما وصل جواب الخليفة إلى القاهرة، وجدت شجرة الدر نفسها في موقف حرج، وأدرك المماليك، من جهتهم أيضا ، مدى ما وقعوا فيه من خطأ عندما ولوا عليهم أمرأة ، واقتنعوا بضرورة تغيير رأس السلطة ؛ ورأوا للخروج من هذا المأزق أن تتزوج شجرة الدر من الأمير عز الدين أيبك وتتنازل له عن العرش .
استجابت السلطانة لمطلب الأمراء، فخلعت نفسها من السلطنة في (شهر ربيع الآخر 648 ه / شهر تموز عام 1250م)، وتزوجت الأمير عزالدين أيبك ، وكان قد دام حكمها ثلاثة أشهر .
وباعتلاء عزالدين أيبك عرش السلطنة قامت دولة المماليك البحرية
الملك المعز - عز الدين أيبك
٦٤٨ - ٦٥٥ ه/ ۱۲٥٠ - ۱۲٥٧م
تولى عزالدين أيبك عرش مصر بعد تنازل شجرة الدر عن الحكم، وتلقب باللقب السلطاني «المعز أيبك» .
كان أيبك أحد المماليك الصالحية، لكنه لم يكن من طائفة المماليك البحرية، ولا أكبرهم سنا أو أقدمهم خدمة أو أقواهم نفوذا، لكنه اشتهر بین المماليك بدين وكرم وجودة رأي (*1)
ترقي في خدمة السلطان الصالح أيوب حتى أصبح من الأمراء، وتولى وظيفة الجاشنكير في البلاط السلطاني . (*2)
ويبدو أن دافع الأمراء المماليك لاختياره من بينهم، يعود إلى وجود عدة أمراء أقوياء مثل أقطاي وبيبرس وقلاوون، وكان هؤلاء يخشون بعضهم بعضا، بالإضافة إلى ذلك يعتبر أيبك من أواسط الأمراء مكانة وليس من أعيانهم، حتى إذا بدا أن مصلحتهم تقتضي عزله، استطاعوا ذلك في يسر لضعف شأنه وضآلة نفوذه (*3) ☆ سهيل طقوش
{ والواقع أن هذه القفزة لأيبك كانت حالة إستثنائية عن عرف التدرج لدى المماليك جعلت بعض المؤرخين مثل أبي المحاسن ابن تغري بردي - في كلامه السابق - ، يتهم أيبك بضعف النفوذ والشوكة ، وان الأمراء لم ينتخبوه الا لكي يتمكنوا من عزله متى شاءوا ..
غير أن الحوادث دلت على أن أيبك رجل يمتاز بصفات
السياسة والحزم والشجاعة ، ولم يكن ضعيف الشخصية كما يصوره بعض المؤرخين ، ويبدو أن أبا المحاسن نفسه قد شعر بالخطأ الذي وقع فيه حينما وصف أيبك بالضعف في كتابه النجوم الزاهرة ، اذ أنه عاد واستدرك ذلك في كتابه الآخر : « المنهل الصافي »، فمدح أيبك فيه ، ووصفه بالديانة والصيانة والعقل والسياسة ، وأنه انقذ دولة المماليك من خطر محقق (*4). } أحمد العبادي
تولى المعز أيبك السلطنة المملوكية البحرية ليجد نفسه أمام أربعة أخطار جسيمة، ثلاثة أخطار داخلية ، وخطر خارجي.
تمثل الخطر الداخلي الأول، بالانتفاضة الشعبية ضد الحكم المملوكي بشكل عام، وتمثل الثاني بمؤامرات بعض زعماء المماليك ضد حكم أيبك، في حين تمثل الثالث بالخطر الذي شكلته شجرة الدر، بينما تمثل الخطر الخارجي بإصرار
الأيوبيين على الزحف نحو مصر لاستخلاصها من أيدي المماليك. فكيف واجه المعز أيبك هذه الأخطار؟ ☆طقوش
أولا الخطر الأيوبي والصليبي
كان الخطر الأيوبي ممثلا في الأمراء الأيوبيين بالشام وعلى رأسهم الملك الناصر یوسف صاحب حلب ودمشق ؛ وحاول أيبك هدم هذه المعارضة الأيوبية باقامة أمير من ذرية بني أيوب الى جانبه ، واستقر الرأي على تولية المدعو الأشرف موسی (*5) ، وهو طفل في نحو السادسة ، ليكون شريكا لأيبك في السلطنة ، فصار يخطب باسمهما على منابر مصر وأعمالها ، وضربت لهما السكة على الدنانير والدراهم .(*6)
ولكن هذه الحيلة لم تدخل على الأيوبيين لأنهم يعلمون تماما أن الأشرف موسى لم يكن له غير الاسم ، على حين كانت الأمور جميعها بيد أيبك (*7).
عندئذ أعلن أيبك ان البلاد تحت سلطة الخلافة العباسية صاحبة السلطان القديم عليها ، وأنه نائب الخليفة المستعصم بها (*8) .
وبهذه الحيلة الثانية حاول أيبك هدم المقاومة الأيوبية ، غير أنه لم يكتف بذلك ؛ ولأنه يعلم أن الناصر يوسف لن يرجع عن عزمه بسهولة ، فأخذ يستعد لمحاربته .
أما الملك الناصر يوسف ، فإنه رأي لكي يضمن النجاح لحملته على مصر ، ان يضم الى جانبه الملك لويس التاسع المقيم في عكا منذ إطلاق سراحه من محبسه في المنصورة ، وعرض عليه مقابل ذلك تسليمه بیت المقدس الذي كان تحت امرة الأيوبيين في ذلك الوقت (منذ حرره الصالح نجم الدين أيوب)
وعلم أيبك بأنباء هذه المفاوضات ، فأرسل إلى الملك لويس تهديدا بقتل أسرى الصليبيين المقيمين بمصر إن قام بأي عمل عدائي ضده . وفي الوقت نفسه أبدى له استعداده لتعديل معاهدة دمياط ، والتنازل له عن نصف الفدية المقررة ، إن تحالف معه ضد الناصر يوسف .
غير أن الملك لويس التاسع فضل أن يقف بين الفريقين موقف الحياد ، وان يستغل نزاعهما لصالحه .


دولة المماليك، مصر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع