مدونة احمد عمران كرواط


مراحل النهوض بالاقتصاد الصيني (الجزء الثاني)

احمد عمران كرواط | Ahmed Omran Karwat


17/10/2020 القراءات: 1616  



تأسست الصين الشيوعية عندما تحرك الشعب لتقرير مصيره، وكانت المهمة العاجلة هي استصلاح الاقتصاد الذي مزقته الحروب والصراعات، فقد أعلن (مأَو تسي تونغ) في يونيو (1949) بأَن سياسته الحالية هي السيطرة على الرأسمالية، وليس تحطيمها، بدأت الدولة بالاستيلاء على رأَس المال الخاص بالتدرج في منتصف الخمسينات من القرن الماضي لتحل الدولة البيروقراطية بدلا من الرأسمالية، شهدت هذه الفترة تغيراً اجتماعياً ملحوظاً في تطوير التنمية الوطنية، قامت الحكومة بعدة إجراءات منها: إِلغاء الامتيازات الأجنبية وتأميم التجارة الخارجية، وإِغلاق البنوك الخاصة، وإلغاء العملة السابقة واعتماد (ايوان) عملة للجمهورية، كما تم تأميم المشروعات الكبرى، ومصادرة أَملاك بعض الأجانب، بالإضافة إِلى تنظيم الملكية الزراعية الصغيرة والمتوسطة في شكل جمعيات تعاونية، وفرض نظام ترخيص للعمل والإقامة في المدن، علاوة على ذلك تحديد أجور دنيا وتطبيق نظام البطاقات التموينية لاستهلاك السلع الأساسية مع تحديد أسعارها.
في هذه المرحلة، بدأت الصين في إِنشاء قاعدة اقتصادية للشروع في برامج صناعية واجتماعية، تقترب مع النموذج (السوفياتي)، فقد انعكس البرنامج الاقتصادي التنموي على الخطة الخماسية الأولى (1953-1957)، حيث اعتبرت أساس عملية التنمية، وباعتماد النظام الشيوعي كنظام سياسي، فقد حدد الحزب الشيوعي الحاكم سيطرته على إدارة الشؤون الاقتصادية، وأعطى الدولة صلاحيات كاملة في نقل الأَصول وتخصيصها بين القطاعات حسب الاحتياجات، كما احتكرت الدولة التبادلات مع الخارج، وحصرها في مجالات ضيقة، ثم أخدت البنوك مهمة مقيدة بمراقبة ومحاسبة المؤسسات، وتوجيه عملياتها مع المخطط، ولجأت الدولة إِلى توفير الموارد الضرورية لتمويل الصناعة، حيث عملت على استخدام الزراعة لتمويل الصناعة من خلال تسعير المنتجات الزراعية بأثمان أَقل من المنتجات الصناعية، ما سمح بمدخلات زراعية منخفضة التكلفة، مع وفرة للمنتجات الغذائية، مما أدى للمحافظة إِلى مستوى منخفض للأجور، وفي هذه الفترة تطور الاقتصاد الصيني بتركيز جهود الاستثمار في بناء قطاع صناعي عصري قوامه الصناعات الثقيلة تنفذها المؤسسات المملوكة للدولة مع تشجيع الدولة لتأسيس مشاريع صغيرة لتلبية الاحتياجات المحلية تستخدم فيها الموارد المحلية من مواد أولية، ويد عاملة، والآت، وتكنولوجيا. أنجزت الصين العديد من النقاط المحورية، منها في المجال الصناعي، حيث ركزت على الصناعات الثقيلة على سبيل المثال لا الحصر (صناعة الطائرات - السيارات - المعدات الثقيلة)، وحرصت على إِحراز التقدم العلمي باستقطاب العلماء، والباحثين الصينين المقيمين بالخارج، وإِنشاء العديد من مراكز الأبحاث التكنولوجية في مختلف الأقاليم حتى أَصبح لدى الصين نحو (840) مؤسسة للبحث العلمي والتكنولوجي توظف أَكثر من (400 ألف) شخص، هذا بعدما لم يكن لديها سوى (40) معهداً يشغل (50 الف) شخص منهم (400) باحث فقط سنة (1949)، حيث كان من نتائج هذه السياسة نجاح الصين في رفع أَعداد المتعلمين من (20%) سنة (1949) إِلى (80%) سنة (1976)، وارتفاع الناتج المحلي من (30 مليار دولار) سنة (1952) إِلى (41 مليار دولار) سنة (1957)، مع السيطرة على التضخم، وتنظيم الضرائب، وتوفير التمويل للاستثمارات، وخلق مناصب عمل، إِلا أَن هذه الإصلاحات وأَن حققت بعض التطورات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، إِلا أَنها لم تكن قادرة على تحقيق انطلاق الصين اقتصادياً. بعد وفاة (مأَو تسي تونغ) في (9 سبتمبر 1976) خلفه (دنغ شيأَو بينغ) الذي ينسب إِليه الفضل فيما وصلت إِليه الصين اليوم، فقد أدرك بأَن بلاده لن تستطيع استغلال إمكانياتها التنموية في ضوء سياستها الانغلاقية؛ الأَمر الذي دفع به لتبني سياسة الإِصلاح والانفتاح، وبذلك اكتشفت الصين طريقاً تنموياً يتماشى مع ظروفها الوطنية، يعرف بطريق (الاشتراكية ذات الخصائص الصينية) المتمثلة في الاعتماد على فلسفة اقتصادية جديدة تتحدث عن اقتصاد السوق الاشتراكي كهدف لتطبيق الفكر الاقتصاد الرأسمالي، والانفتاح الاقتصادي ذو الاتجاه الواحد الذي يعتمد على التصدير، ولا يقبل بالاستيراد بشكل حر، وتطبيق نظام اللامركزية في إدارة المؤسسات الحكومية، والإصلاح المؤسسي بإعادة هيكلة الشركات والمصانع المملوكة للدولة من خلال تقويمها وتطويرها، وتحديث خطوط الإِنتاج، وإِغلاق الشركات الخاسرة، كما سمح بالملكية الخاصة، والتعاونية إِلى جانب الملكية العامة تكون بشكل محسوب، ومتزن للوصول للهيكل الاقتصادي المستهدف (الملكية العامة 30%- الملكية الجماعية 40%- المشروعات الاستثمارية والخاصة 30%)، من ثم إقامة أسواق المال وتكنولوجيا المعلومات على أسس حديثة مع وضع نظام تشريعي لها يحدد السياسات العامة، ويقر سياسات مرنة لتوزيع الأجور وفقا للكفاءات والقدرات اللازمة لكل وظيفة، بالإضافة إِلى وضع إِطار قانوني وإداري يساعد على تحديد مستمر للإِنتاج شكلاً ومضموناً وفقا لمنهج البحث والتطوير، علاوة على ذلك توسع السوق بالتزامن مع العمل على زيادة الطلب المحلي، باعتبار أَن السوق الداخلية أَهم عناصر القوة في الاقتصاد الصيني، وإعطاء أولوية لقطاع الزراعة لزيادة دخل المزارع من أَجل الزيادة في الإِنتاج الزراعي. ان المتابع للمراحل التاريخية المهمة والمضطربة والمؤثرة على الاقتصاد الصيني هي في الواقع الامر تعد امتداً طبيعياً، بل حتمياً للمتغيرات السياسية، وبشكل خاص عند الانفتاح على العالم الخارجي، واعتماد استراتيجية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي ارتبطت بشخصية طموحة صاعدة في الأفق، حينما قادة الاقتصاد وصارت الأثار ونتائج سبب في أحدث انطلاق الصين اقتصادياً.


تطور الاقتصاد الصيني - اقتصاد الصين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع