مدونة بكاري مختار


المتنبي و الأمير علي بن أبي الهيجاء بن حمدان، من أروع ما مدح به المتنبي سيف الدولة - الجزء الأول

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


04/06/2022 القراءات: 1743  


لا ينسي المتنبي أبدا !! أن يوجد مجالا ليمدح نفسة فى كل قصيدة يمدح بها الأمراء !!
وَدَع كُلَّ صَوتٍ غَيرَ صَوتي فَإِنَّني
أَنا الطائِرُ المَحكِيُّ وَ الآخَرُ الصَدى
وَ ما الدَهرُ : إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي
إِذا قُلتُ شِعراً : أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً
كما أنه لا ينسي أبيات الحكمة الرائعة التى مازلنا نرددها كل يوم .
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَ إِن أَنت َ أَكرَمتَ اللَئيمَ : تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
فلنتابع رائعته : لكل امرئ من دهره ماتعودا
ظل المتنبي باحثاً عن أرضه وفارسه الذي يستحق أن يمدحه ، غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في أنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ،
واتصل بسيف الدولة ابن حمدان، أمير وصاحب حلب، سنة 337 هـ وكانا في سن متقاربة، فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء بل يجلس ! فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا وأصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب،
وأجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، وخاض معه المعارك ضد الروم، وتعد سيفياته أصفى شعره.
غير أن المتنبي حافظ على عادته في إفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحه، فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة فجوة وسعها كارهوه وكانوا كثراً في بلاط سيف الدولة.
ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة في حلب أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء في حلب.
و بينما كان لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظنون أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده، إلا أنه مطمئن إلى إمارة حلب العربية الذي يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه.
كان سيف الدولة يحس بطموح المتنبي العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير،
واحتمل أيضاً سيف الدولة تمجيد المتنبي لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحسن مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان !!
وفي المواقف القليلة التي كان المتنبي مضطرا لمراعاة الجو المحيط به، فقد كان يتطرق إلى مدح آباء سيف الدولة في عدد من القصائد، ومنها السالفة الذكر، لكن ذلك لم يكن إعجابا بالأيام الخوالي وإنما وسيلة للوصول إلى ممدوحه،
إذ لا يمكن فصل الفروع عن جذع الشجرة وأصولها كقوله:
من تغلب الغالبين الناس منصبه
ومن عدّي أعادي الجبن والبخل
سيف الدولة :
ولد سيف الدولة علي بن عبد الله، الابن الثاني لعبد الله أبي الهيجاء بن حمدان [المتوفى سنة 929]، ولد حمدان بن حمدون بن الحارث، والذي نسب لاسمه السلالة الحمدانية.
وقد كان الحمدانيون فرعًا لبني تغلب، القبيلة العربية التي سكنت في منطقة الجزيرة الفراتية منذ عصر ما قبل الإسلام.
تولى سيف الدولة إمارة حلب و الموصل جمع في بلاطه العلماء و الأدباء و اشتهر بحبه للعلم مما حدا بالبيزنطيين لتقليده في ذلك العمل .. كما اشتهر بحروبه ضد الدولة البيزنطية وقد أحصى المؤرخون له أكثر من خمسين غزوة ضدها .
و من أروع أبيات تلك القصيدة :
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ
و َعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَك َ بَعدَهُ
تُسَلِّمُ مَخروقاً و َتُعطى مُجَدَّدا
فَذا اليَومُ في الأَيّامِ مِثلُكَ في الوَرى
كَما كُنتَ فيهِم أَوحَداً كان َ أَوحَدَا
هُوَ الجَدُّ حَتّى تَفضُلَ العَينُ أُختَها
وَحَتّى يَصير َ اليَوم ُ لِليَومِ سَيِّدا
ما أروع هذين البيتين ! أشرنا كثيرا إلى أن المتنبي أول من شبه الزمان بالمكان !! و هاهو هنا يشبه الزمان بالإنسان ! في الحقيقة و قفت مئات بل آلاف المرات أمام عبقرية هذا الرجل العربي فأديت له و للعرب التحية العسكرية لعظمة هذه الأمة التى أنجبته
فَيا عَجَباً مِن دائِلٍ أَنتَ سَيفُهُ
أَما يَتَوَقّى شَفرَتَي ما تَقَلَّدا ؟
وَمَن يَجعَلِ الضِرغام َ بازاً لِصَيدِهِ
تَصَيَّدَهُ الضِرغام ُ فيما تَصَيَّدا
يريد بالدائل صاحب الدولة يعني الخليفة العباسي يقول: أما يخافك إذا تقلدك سيفا ( أي جعلك قائد المدافعين عن الخلافة ) وفي هذا تفضيلٌ له على الخليفة ثم ضرب لهذا مثلا فقال من اتخذ الأسد صائدا يصيد به أتى عليه الأسد فصاده والمعنى أنت فوق من تضاف إليه
رَأَيتُكَ مَحضَ الحِلمِ في مَحضِ قُدرَةٍ
وَلَو شِئتَ كان َ الحِلمُ مِنكَ المُهَنَّدا
وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ
وَ مَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذي يَحفَظُ اليَدا
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِن أَنت َ أَكرَمتَ اللَئيمَ : تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
الله الله ! لو يعود بنا الزمن فنرى عباقرة العرب يملأون الأرض علما وحكمة و يقودون العالم


المتنبي، الأمير علي بن أبي الهيجاء بن حمدان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع