مدونة د. أسماء صالح العامر


في أحكام الإبريسم الجزء الثاني

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


15/12/2023 القراءات: 542  


في أَفْعَاِله في أَعْضَاءِ الرَّأْسِ
إن الإبريسمَ على ما يقوله بعضٌ، من شأنه تقوية الروح الحيوانى ، وهذا الروح قد بيَّنَّا أنه يصعد قسطٌ منه إلى الدماغ ، فيعدَّل فيه ويصير روحاً نفسانياًّ. وأول صعوده إلى الدماغ، يكون به الحفظ والفكر والذكر، فلذلك كان الإبريسم مقوِّياً للحفظ ، لأن الروح التى بها الحفظ، شئٌ من الروح الحيوانى الذى لم يكمل بعد استحالته، حتى يصلح أن يكون حاسّاً . فلذلك ، كان تناول الإبريسمِ مقوياً للحفظ.
والاكتحال به يقوِّى البصر، وذلك لأمرين. أحدهما: تقوية الروح وثانيهما: إصلاحه لمزاج العين وتقويتها وتنقيتها من الفضول وحفظ صحتها. وذلك لأن الإبريسم مع أنه خالٍ (4) عن جميع الكيفيات الضارَّةِ بالعين - كالحدة واللَّذْع والقبض ونحو ذلك - فهو مجفِّفٌ باعتدالٍ، وليس بشديد التسخين. وما كان كذلك، فهو شديد النفع للعين (5) ، محلِّل لفضولها، مجفِّف لما تكوَّن فيها من الرطوبات الفضلية، لأن هذه الفضول تكثر فى العين لأجل رطوبة مزاجها.
وإذا أُحرق الحرير ثم غُسل، كان شديدُ الموافقة لقروح العين، يملأ ما يحدث فيها من الحفر ونحوه؛ وذلك لأجل تجفيفه الخالى عن اللَّذْع، لما قلناه قبل.
في أَفْعَالِه في أَعضَاءِ الصَّدْرِ
جميع ما له لونٌ بَهِجٌ، وإذا ورد إلى داخل بدن الإنسان، لا يتغيّر لونُهُ تغيُّراً كثيراً قبل نفوذه إلى القلب؛ فإنه من المفرِّحات. وذلك لأن هذا إذا حصل فى القلب وهو بذلك اللون، كان ما يخالط منه الروح. بذلك اللون، فيفيدها نورانيةً وإشراقاً. وذلك - لامحالة - مما يسرُّ النفس، فإن النفس يسرُّها النظر إلى الأشياء المشرقة النيِّرة، وإن كانت فى الخارج؛ فكيف إذا كانت فى الخفاء التى هى الروح؟
ولذلك، فإن الروح إذا تكدَّرت وأظلمت، بمخالطة أجزاءٍ أرضية مظلمة كما يحدث عن البخارِ السوداوىِّ أو الهواءِ الكَدِرِ، ونحو ذلك. فإن النفس تنقبض لذلك، وتحصل حالةٌ تُسمَّى ضيق الصدر ونحو ذلك من (3) جملة هذه. فلذلك، كانت الأشياء التى لها ألوانٌ مشرقة بهجة مفرِّحةً للنفس؛ وهذه الأشياء كالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزعفران ونحو ذلك. ومن جملة هذه الأشياء: الإبريسم. ولذلك، كان الإبريسم من المفرِّحات. وهو يفرِّح - أيضاً - بالنظر إليه، كما قلناه فى الأشياء البهجة.
ومع أن الإبريسم يفرِّح، فهو أيضاً يقوِّى القلب؛ وذلك لأجل مناسبته لمزاجه المائل إلى الحرارة واليبوسة. وأعنى بذلك، أنه يقوِّى القلب الذى مزاجه إلى بردٍ، لأنه يعدِّل مزاجه. وأما إذا كان مزاج القلب حارّاً يابساً - أى أزيد حرارةً ويبوسةً مما ينبغى أن يكون له - فإن الإبريسم حينئذٍ لا يقوِّيه، بل ربما أضعفه، بما يزيده فى سوء المزاج الحار اليابس.
وإذ الإبريسم يفرِّح ويقوِّى القلب، فهو لا محالة مقوٍّ للطبيعة. فلذلك يقوى الأفعال الصادرة عن الطبيعة، كدفع الفضول ونحو ذلك. ولذلك، اُختير لبسه فى الحروب، لأنه يشجِّع القلب، بتقويته وتفريحه.


الإبريسم 2


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع