مدونة الدكتور محمد محمود كالو


مفهوم الأخلاق بشكل عام، ومكارم الأخلاق الذي دعا إليه الإسلام

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


30/03/2022 القراءات: 1455  


مفهوم الأخلاق بشكل عام، ومكارم الأخلاق الذي دعا إليه الإسلام

الحمد لله واهب ما يشاء لمن يشاء، بيده وحده المنع وبيده العطاء، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، ونبيه العظيم، جاءنا بأفضل كتاب على الإطلاق، وهدانا إلى مكارم الأخلاق، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن أحبهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين،
وبعد:
فإن الخُلُق - بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة.
وحقيقة الخُلُق: صورة الإنسان الباطنة بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة. [القاموس المحيط ولسان العرب].
وعرَّف الجرجاني الخُلُق بأنَّه: (عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويَّة). [التعريفات:101].
فالشجاع بمجرد أن يسمع صوتاً يطير إليها، دون أن يفكر بعواقبها؟ لأنه يمتلك الشجاعة بيسر وسهولة، كذلك الكريم
فالخُلُق: قيمة تتعلق بالأعمال التي توصف بالحسن والقبح
والخلق قد يكون طبيعياً من أصل المزاج، كالغضب من أي شيء، أو الفزع من أي شيء.
وقد يكون مكتسباً بالتمرين والتدريب، ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقًا، لذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ) [الطبراني في الأوسط].
يقول نيتشه: الأخلاق حيلة ابتكرها الضعفاء لكي يضحكوا بها على الأقوياء، ولكي يأخذوا منهم مكاسب ومنافع. وبناء على هذا قسم الأخلاق إلى قسمين هما: أخلاق السادة وأخلاق العبيد.
ويقول ماركس: الأخلاق صناعة الأقوياء والمترفين لاستعباد الضعفاء والمعدومين.
وكلتاهما مقولتان باطلتان.
أما الإسلام فقد دعا إلى مكارم الأخلاق، وأعظم سورة تتحدث عن الأخلاق في القرآن هي سورة الشمس:
يقول تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ‎﴿١﴾‏ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ‎﴿٢﴾‏ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ‎﴿٣﴾‏ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ‎﴿٤﴾‏ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ‎﴿٥﴾‏ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ‎﴿٦﴾‏ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ‎﴿٧﴾‏ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ‎﴿٨﴾‏ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ‎﴿٩﴾‏ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ‎﴿١٠﴾‏
سبع أقسام حتى يصل إلى جواب القسم (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)
وكل الأقسام معرفة بـ الـ، ولكنه لما وصل إلى النفس نكرها فقال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) للتعظيم والتفخيم, كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة: ١٧٩]، أي : حياة عظيمة
وقال علماء الإسلام: لا أخلاق بلا دين، والدين شجرة عظيمة، بذرتها العقيدة، وأغصانها الأحكام الحلال والحرام، وثمرتها الأخلاق، ويقصد الزرع من أجل الثمرة.
لذا عدد آيات العبادات في القرآن الكريم 130 آية فقط، حتى أن الوضوء وهو شرط الصلاة ذكر مرة واحدة فقط
أما آيات الأخلاق فأكثر من 1500 آية ، تقريباً كل خمس آيات يكر الله خلقاً من الأخلاق الحسنة، القيمة الخلقية قيمة مركزية في القرآن الكريم، وحاضرة بكثافة.
أكثر خلق كر في القرآن العدل 355 مرة
ثم الرحمة 340 مرة
ثم الإصلاح 123 مرة
كانت الأخلاق موجودة عند العرب قبل البعثة، ولكنها مشوبة بالشرك والنعرات الجاهلية، فبعث الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتممها ويصلحها، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ) [رواه أحمد]. لم يقل: لأنشئ الأخلاق، وإنما لأتمم، كأن البناء ناقص وهو يريد أن يتمم بناء الأخلاق الحسنة، و(إِنَّمَا) للحصر وكأن النبي عليه السلام يقول: ما بعثت إلا لأتمم صالح الأخلاق.
هذا الذي مدحه الباري وقال تعالى عنه : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].لم يقل: وإنك لذو خُلُقٍ ، أي متصف بالخلق بصعوبة تخلُق، بل قال: على خُلُقٍ ، أي متمكن من الأخلاق، فالأخلاق مطية كالفرس، تصدر منه بيسر وسهولة، لأن (على) تفيد الاستعلاء والتمكن والسيطرة على الشيء، كقوله تعالى: ﴿أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾[البقرة: 5] ومنه قوله تعالى﴿إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ ﴾[ النمل: 79]،
﴿ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]،
﴿ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 67]
وسئِلَتْ أم المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: ( كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) [رواه أحمد].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» [رواه أبو داود].
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: (تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) [رواه الترمذي].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ "، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) [رواه أحمد].


مفهوم الأخلاق، مكارم الأخلاق، الإسلام، الفلاسفة، الخلق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


موضوع قيم.جزاكم الله خيرا كثيرا.