مدونة البيتي العلمية


بين دوامة الصمت والغرس الثقافي

حسن محمد عبدالله البيتي | Hassan Mohammed Abdullah Albaiti


20/04/2022 القراءات: 1525  


تناولت الكثير من كتب "علم النفس السلوكي" وكتب "الاتصال والإعلام" الأسباب التي تقف وراء تأثير المجتمع على تفاعلاتنا داخله، ووضعت لذلك العديد من النظريات، وكان أبرزها من وجهة نظري نظرية "دوامة الصمت" التي ترتبط بخوف الفرد من العزلة الاجتماعية، خصوصاً في زمن التأثير الإعلامي الذي طغى على العادات والتقاليد وتشكيل القيم لدينا (البشر، 2014)
ظهرت هذه النظرية عام 1973م على إثر نتائج الانتخابات السياسية في ألمانيا، وهي الحقبة الزمنية لهيمنة وسائل الاعلام التقليدية على تكوين الرأي العام في المجتمع.
والتواصل في العالم الافتراضي عبر الإعلام الجديد – شبكات التواصل الاجتماعي مثلاً – يطرح مشروعية إعادة اختبار الفروض التي قامت عليها النظرية في بيئة الإعلام التقليدي.
ويكمن مضمونها في أنها من أكثر نظريات الإعلام علاقة بتكوين الرأي العام في المجتمع، حيث طورتها الباحثة الألمانية اليزابيث نويمان، وتشير إلى أن عملية تكوين الراي العام تتداخل فيها عوامل نفسية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، بالإضافة إلى تأثير وسائل الإعلام في تكوين الاتجاه السائد حول القضايا المثارة في المجتمع.
ولها عاملين: الخوف من العزلة الاجتماعية – مناخ الرأي الذي يطلق أو يقيد حرية التعبير.
والخلاصة من ذلك: إن ما تعرضه وسائل الإعلام ليس بالضرورة أن يكون هو الرأي الحقيقي للجمهور.
فرضيتها هي أن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات معينة خلال حقبة من الزمن، فإن معظم الأفراد سيتحركون في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام.
هدف النظرية هو بحث الأفراد عن التوافق الاجتماعي، ثم يلتزمون بالصمت، ظناً منهم أن آراءهم قد لا تحظى بتأييد الآخرين لمخالفته توجهات وسائل الإعلام، وهذا ما يعرفه الباحثون بــ "الخوف من العزلة الاجتماعية"، حيث تقول نيومان في تعريف النظرية: هو تعبير عن التوتر الذي يشعر به الفرد عندما يبوح برأيه، أو جهة نظره؛ خوفاُ من أن يكون للأقلية المخالفة للاتجاه السائد الذي تتبناه وسائل الإعلام.
أن تأثير المجتمع على آرائي سيدفعني بأحد ثلاث اتجاهات: التأييد، التحفظ، المعارضة.
وعلى سبيل المثال، أتبنى رأي معارض لموضوع "المداد" في شرق اليمن وهو مأخوذ من الفعل "مدَّ" ويعني إعطاء المهر لأهل الزوجة عند انعقاد جلسة الخطوبة، وهذا مما روج في الإعلام بعد أن كان من العادات والتقاليد، وجعل هناك ما يسمى بـ "دبلة الخطوبة"، وكوني مسلم فأنا معترض على هذه العادات لأنها تخالف تعاليم الدين الإسلامي الذي قضى بإعطاء المهور حال عقد النكاح (سورة المائدة)، فأنا وسط تأييد مجتمعي لهذه العادة فأنا مضطر للتحفظ على رأيي وعدم التصريح به مخافة الشيطنة لي واتهامي بأني متشدد وأني أشق صف المجتمع، لكن أحاول أن أكون رأي معارض في الأوساط المثقفة لنكون مستقبلاً تيار معارض لذلك التوجه، وهذا الذي يعرف بنظرية "الغرس الثقافي".
بالنسبة للضغوطات المجتمعية، أتذكر حالة مجتمعية فريدة من نوعها تعرضت للزواج المبكر وهي قاصرة، وقد أصبحت شخصية مشهورة، إنها "ندى الأهدل" اليمنية، تم تزويجها وهي طفلة، وعندما هربت من بيت زوجها، ولجئت لمنظمة حقوقية، وتمت المرافعة أمام المحكمة ليتم فسخ العقد، حدثت ضجة في أوساط المجتمع بأن ما جرى نذير سيكون وصمة عار على هذه الفتاة، وعلى الرغم من ذلك سعت ندى لتكوين شخصيتها لتصبح اليوم شخصية مؤثرة إعلامياً، تسعى من خلال الإعلام للتعريف بجرائم زواج القاصرات في اليمن، والذي أدى بدوره لقيام أعضاء من مجلس النواب اليمني برفع مشروع قرار يقضي بتجريم زواج القاصرات، إلا أن التصويت عليه فشل بسبب انتماء غالبية النواب للطيف الواسع من الشعب المؤيد لزواج القاصرات.
وعلى ضوء ذلك فإن أهمية السلوك المؤيد للمجتمع أو للتقاليد يكمن في اتخاذ المواقف بناء على ما يتوجه إليه الفرد، ومستوى الاهتمام بالقضية التي تناقشها وسائل الإعلام، أو المعلومات التي تنشرها، والاهتمام بموضوعات معينة دون غيرها.

المصدر
البشر، سعود. (2014). نظريات التأثير الإعلامي. (الطبعة الأولى، ص135). الرياض، السعودية: مكتبة العبيكان للنشر.


نظريات الإعلام اليمن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع