دليل المحقق (نصائح ووصايا) (2)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
02/06/2022 القراءات: 839
28- انتبهْ لتراجم العلماء. واقرأ النوع المسمّى "المتفق والمفترق" في علوم الحديث، وينفع المحققَ الاهتمام بكتب مشتبه النسبة، ومن ذلك فصلٌ في "المدهش" لابن الجوزي (1/136) ط دار القلم.
ومثال ذلك: أبو بكر النيسابوري، فالمعروفون بهذا أكثر من خمسة عشر عالمًا، ومن المجازفة الإسراعُ إلى إلصاق ترجمة واحدٍ منهم بعلَمٍ ذُكِر بهذا الاسم مِن غير تأكدٍ وتحرٍّ.
29- احذر كثيرًا مما يُسمّى: "النص المختار"، ولعل الأولى أن يسمّى: "النص المحتار". (هذه التسمية للدكتور أحمد محمد نور سيف).
انظر إلى شارح "منازل السائرين" الكاشي (ت: 730) كيف تأنّى حتى وقف على نسخة سليمة، فقد ذكر في آخره أنَّ النسخ كانت مختلفة، وألفاظها متباينة حتى ساق إليه القدر نسخة مقروءة على المصنف. كشف الظنون (2/1828).
واقرأ مقدمة الشيخ علي القاري في "مرقاة المفاتيح".
30- لا بأس بالاشتراك في التحقيق، وهناك في تراثنا: تأليف جماعي، وتأليف جماعة.
31- لا تلجأ إلى الاستلال إلا إذا كان المؤلفُ قد أذن بذلك، أو في حدود ضيقة.
32- تذكرْ أن الخطأ يسير في الناس ويبقى حتى وإنْ رجع صاحبُه عنه. هذا مصطفى جواد رجع عن خطئه في نسبة كتاب "الحوادث الجامعة" إلى ابن الفوطي ولم يرجع كثير من الناس عنه!
33- احذر الكتب الإلكترونية التي دخلتْ من جديد فقد سقط منها الكثيرُ وعبث بها عابثون.
34- ليكن لك كنّاشٌ، تكتب فيه الأفكار والخواطر وغرائب النقول والإحالات، قال بعضُهم:
لا بدَّ للزاويّ مِنْ كناشِ يكتبُ فيه العلمَ وهو ماشي
ومِن ذلك أنْ تكتب ما تراه على ظهور المخطوطات.
وإذا كان الكناش رقميًا فهو أفضل.
وكان هذا يُسمّى عند العلماء "تذكرة"، والتذكرات كثيرة، ومِن ذلك: "تذكرة" طاهر الجزائري التي طبع منها أجزاء في مجلدين.
35- لا تقلدْ في النقول مطلقًا، وارجعْ إلى المصادر بنفسك.
36- فكرْ بمشروعٍ علميٍّ كبيرٍ مبكرًا.
كما فعل الطبريُّ إذ يقول عن تفسيره: "حدَّثتني به نفسي وأنا صبيٌّ" كما في "معجم الأدباء" (6/2453).
وكما فعل الحافظ العراقي، وكما يُظن بالحافظ ابن عساكر. واقرأ إن شئت: "التفكير بمشروعات علمية منذ الصِّبا".
37- اشتغلْ بكتبٍ ذات أهمية، والكتبُ متفاضلة، وقد تكلم عن تفاضل الكتب وليُّ الله الدهلوي في كتابه "المسوّى شرح الموطأ" (1/18).
38- لا بدَّ من مراجعة: "الفهرست" للنديم، و"الدر الثمين في أسماء المصنفين" لابن الساعي، و"مفتاح السعادة" لطاشكبري زاده، و"أسماء الكتب" لرياضي زاده، و"كشف الظنون"، وذيوله...
39- كما لا بُد من قراءة الكتب التي اعتنتْ بالمطبوع، ومن ذلك: "معجم المطبوعات العربية"، ومتابعة نشرات إصدارات دور النشر.
40- لا تنازِع عالمًا محققًا سبقكَ إلى عمل.
قيل لأبي السعود المفتي: لمَ لمْ تجمع المسائل المهمة، ولم تؤلف فيها كتابًا؟
قال: "أنا أستحي منْ صاحب "البزازية" مع وجود كتابه؛ لأنه مجموعة شريفة جامعة للمهمات على ما ينبغي". كشف الظنون (1/242).
وقال المازني (ت: 248): "مَنْ أراد أنْ يصنفَ كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي" كشف الظنون (2/1428).
وذكر السيوطي في كتابه "التحدُّث بنعمة الله" ص (138) ط1 كتابًا شرع فيه فقال: "شرح البهجة: ممزوج، كُتب منه أوراق، وكان الشروع فيه في سنة سبع وستين [وثماني مئة]، فلما سمعتُ أنَّ الشيخ زكريا [الأنصاري] شرعَ في مثل ذلك فتر العزمُ عنه".
وذكر ابنُ طولون الحنفي لنفسه: "الفضة المصوغة في الأحاديث الموضوعة" وقال: "كتبتُ منه قطعة، ثم رأيتُ لشيخنا الجلال السيوطي "اللآلىء المصنوعة" في ذلك، فأعرضتُّ عمّا كتبتُه". الفلك المشحون ص (122).
وقال الشعراني في كتابه "تنبيه المغترين" ص (15): "... ولو أن أحدًا فعلَ في هذا العصر لكنتُ دللتُ الإخوان على مطالعة مؤلفه، وكنتُ لم أتعب نفسي في تأليف هذا الكتاب لأنه يصير حينئذ لا فائدة فيه" .
41- دلَّ غيرك على مخطوطاتٍ نافعةٍ، فإنَّ العُمر لا يتسعُ لكل شيء.
42- من الجميل بل المهم الاهتمامُ بالتراث العلمي.
43- هناك أعمالٌ كثيرةٌ تنتظر الهمم، اقرءوا إن شئتم التوصيات في آخر بحث "التراث وإشكالية النضج والاحتراق".
44- كوِّنْ مكتبة خاصة فيها أبرزُ الكتب التي تناولتْ مناهج التحقيق.
45- اقرأ لكبار المحقِّقين، وتأملْ أعمالهم وأساليبهم.
46- اقرأ سيرَ المحقِّقين والمحقِّقات الكبار.
47- ليكنْ لديك ثقافةُ العَرْض على الآخرين.
48- لا تعملْ لغيرك، ولا تأخذْ عملَ غيرك.
49- لا تعجلْ بالنشر، وفي الوقت نفسهِ لا تسوِّفْ كثيرًا خشية ضياع العمل. قال ياقوت في "معجم البلدان" (5/457): "وخفتُ الفوتَ، فسابقت بإبرازه الموتَ، وإنني بانهزام العمر قبل إبرازه إلى المبيضة لجدُّ حذر، ولفلول حدِّ الحرص لعدم الراغب والمحرِّض عليه منتظر". وقال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في حديثه عن طبع كتاب "بذل المجهود في حل سنن أبي داود" للسهارنفوري (13/ 666):
"وللاستعجال في طبع هذا الكتاب الجليل- فإنه لا ثقةَ بالحياة، وليس على ريب الزمان معوّلٌ- تقرَّرَ طبعُ ستة أجزاء منه في مطبعة ندوة العلماء بلكناؤ الهند... ومن الجزء السابع إلى آخر الكتاب طُبع بالقاهرة". وهكذا يكون حزم العلماء. واقرأ إن شئت: "المبادرة نصحًا للأمة".
50- تحلَّ بالشجاعة للرجوع عن الخطأ.
51- لا تعجلْ بالتغليط .
52- لا تبنِ نفسَك على هدم الآخرين.
53- الإخلاصُ في العمل سرُّ نجاحه وفلاحه، وعنوان بهائه وبقائه.
ويُستغرب مِنْ قول ابن أبي طي عن المؤلفات: "نأكلُ منها خبزًا".
وقال شيخُنا الشيخُ عبدالكريم المدرِّسُ: "الناسُ أكلةُ خبز" .
التحقيق. التدقيق. المخطوطات.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة
ليست مجرد نصائح ووصايا بل هي والله دُرر وجواهر ثمينة. وهي زادٌ لا غنى عنه لكل باحث ودارس. رفع الله قدركم وأحسن ثوابكم ونفع بعلمكم.
جزاكم الله خير الجزاء على المتابعة والاهتمام