مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


الحق في السلام - المفهوم والخصائص

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


25/07/2022 القراءات: 530  


الحق في السلام
في اطار القانون الدولي لحقوق الإنسان
الأستاذ المساعد
الدكتور وسام نعمت السعدي
كلية الحقوق / جامعة الموصل
2022
لقد تطورت وظائف المجتمع الدولي في مجال التعامل مع حقوق الإنسان الجماعية بشكل مطرد تبعاً للتطور الكبير الذي حصل في مجال الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان على الصعيد العالمي ، وبات هذا الموضوع يشغل اهتمام العديد من الأطراف الدولية المختلفة التي توازعت الأدوار فيما بينها من اجل التصدي للملفات الشائكة والمعقدة في مجالات حقوق الإنسان وعلى اختلاف أجيالها وأشكالها ومضامينها. وقد انعكس هذا الاهتمام بشكل حقيقي على دخول مواضيع جديدة قيد الاهتمام والبحث والمناقشة من قبل الباحثين والمؤسسات العلمية والبحثية والجمعيات والهيئات غير الحكومية وسائر المنظمات والأطراف الدولية الأخرى المهتمة بهذه المجالات، وكان الحق في السلام احد تلك الموضوعات التي أخذت تحتل حيزاً اكبر من الاهتمام الدولي.
ويمكن أن نعرف الحق في السلام بانه: (ذلك الحق الجماعي الدولي الذي ينبني على أسس تقوم على تامين منطلقات لحياة آمنة ومستقرة وكريمة للمجتمعات البشرية بعيداً عن مخاطر الحروب وويلاتها وأثار النزاعات المسلحة وأخطارها، وذلك في ظل متطلبات أساسية تنبع من فكرة الحرص على ضمان تحقيق الأمن الإنساني ونبذ العنف وتحقيق التنمية وحماية البيئة وغيرها من العناصر الأخرى التي لا يمكن عزلها أو فصلها عن الحق في السلام).
إن فلسفة المنظمات الدولية بشكل عام تقوم من حيث جوهرها على فكرة تحقيق السلام ونشر قيمه على مستوى العالم، وبالتالي فان المنظمات الدولية العالمية منها والإقليمية تعتبر الأداة المناسبة لصيانة هذا الحق وتعزيز متطلباته وضمان الوصول إليه ، وهنا يأتي التباين بين تلك المنظمات في مجال التعامل مع هذا الحق، فالبعض منها قد يشكل هذا الحق ركناً جوهرياً في عمله تبعاً لتصديه لمهام حفظ الأمن الدولي وإنهاء مخاطر الحروب، وبالتالي تكون تلك المنظمات أكثر من غيرها تصدياً وتبنياً للعناصر التي بها يتكامل هذا الحق. في المقابل هناك منظمات دولية قد تجعل اهتمامها منصباً لجوانب أخرى تتعامل بشكل عرضي مع قضايا الحق في السلام إلا أنها تدرك أن الوضع الطبيعي الذي تستطيع فيه هذه المنظمات في أن تعمل وتقدم لأطرافها بشكل امثل مرتبط بتحقيق قيم السلام وضمان التمتع بها بشكل دائم.



خصائص الحق في السلام
ومن خلال ما تقدم نخلص للقول أن ثمة خصائص أساسية مميزة للحق في السلام وكما يأتي:
1. انه حق دولي منظم: وهذا يعني أن هذا الحق قد خرج من دائرة التصورات الفكرية والأطروحات الفلسفية التي تقدم أفكاراً وتصورات لهذا الحق باعتباره قيم و مفاهيم ينبغي احترامها، وبالتالي فقد انتقل هذا الحق من دائرة ألا تنظيم إلى دائرة التنظيم ، ومن دائرة القيم الأخلاقية والدعوات والتنظيرات الفكرية والفلسفية إلى دائرة القانون الدولي ، وقد تحقق ذلك بعد أن تم إقرار هذا الحق والنص عليه في العديد من المواثيق الدولية ودساتير عدد من المنظمات الدولية، والتي أكدت على وجود هذا الحق وعلى مرجعيته القانونية ودعت الدول إلى احترامه وصيانته.
2. انه حق دولي محمي: وهذا الأمر يمثل نتيجة طبيعية لدخول هذا الحق في إطار حقوق الإنسان التي شملت بالتنظيم والتدوين القانوني الدولي ، وأصبحت المواثيق الدولية والإعلانات العالمية ترسخ حقيقة أن هذا الحق محمي من الناحية الدولية وثمة جزاءات دولية منظمة توقع بحق الدول أو الجهات التي تنتهكه. وما وجود منظمة الأمم المتحدة وما خولت من صلاحيات في مجال تطبيق تدابير القمع بحق الدول المنتهكة للسلام إلا تعبيراً حقيقياً لهذا الأمر.
3. حق دولي جماعي: وهو بذلك يسمى أيضا بالحق التضامني لان هذه الطائفة من الحقوق الدولية لا يمكن أن يتم التمتع بها بشكل منفرد ، بل أنها وبحسب طبيعتها تقتضي أن يتم التعامل معها بشكل جماعي ، وبالتالي فانه يجسد صيغة حديثة ومتقدمة لحقوق الإنسان الجماعية والتي نالت اعتراف الوثائق الدولية بوصفها هذا كونها لا يمكن التمتع بها إلا بشكل جماعي بسبب طبيعتها الخاصة وبذلك فهي تشترك بهذا الوصف مع " حق الإنسان ببيئة نظيفة" و" الحق بالتنمية" و " حق الشعوب في تقرير المصير".
وبالتالي فان ظهور الجيل الثالث من حقوق الإنسان بعد التطورات الحاصلة على الصعيد الدولي و الدفع و التقدم الحاصل في مسيرة حقوق الإنسان لمواكبة الحاجات و المشكلات الإنسانية المتزايدة والمستمرة والتي تمثل في حقيقتها هماً إنسانياً عالمياً مشتركاً ، بحيث أن استمرارها يعني تضرر الأسرة البشرية ككل ، مما أوجب التكاتف و التعاون بين الأسرة البشرية ككل لتلبية هذه الحاجات وحل هذه المشاكل ، التي لا يمكن حلها إلا من خلال تعاون بهذا المستوى العالمي ، ومن الحقوق الإنسانية التي تمثل هذا الجيل، الحق الجماعي في السلام والحق في التضامن والحق في بيئة نظيفة والحق في الإغاثة من الكوارث وغيرها ، هذه الحقوق تبرز طابعاً خاصاً مميزاً لها يجعلها تقع في صميم ما يسمى بحقوق الإنسان الجماعية أو التضامنية.
عليه فإن الحق في السلام جزءاً من حقوق الإنسان ، ولا سيما في إطار الجيل الثالث من الحقوق, الذي تضمن إضافة إليه ، الحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في الحصول على العلم والتكنولوجيا والاستفادة من منجزاتها البشرية ، فإن الجيل الأول تضمن الحقوق السياسية والمدنية التي تكرست في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948, والتي تم توسيعها وتعميقها في العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966، في حين أن الجيل الثاني ركّز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي توّج بالعهد الدولي الثاني الصادر عام 1966 أيضاً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 1976.


الحق في السلام - القانون الدولي لحقوق الانسان - الأمم المتحدة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


وهذه الحقوق جميعاً، مضافة إليها حقوق الجيل الرابع التي يمكن تبويبها أكاديمياً بالحق في الديمقراطية والحق في التعددية والحق في التنوّع الثقافي واختيار المحكومين للحكام ، لا يمكن تجزئتها أو اقتطاع أو مفاضلة بعضها بالبعض الآخر. 4. انه حق دولي تكاملي: وهذا يأتي نتيجة حتمية في أن التمتع بهذا الحق بشكل مثالي وحقيقي لا يتم إلا من خلال تفعيل عدد أخر من الحقوق ، فلا مجال لتصور هذا الحق بعيداً عن وجود تنمية مستدامة واحترام حقيقي لحقوق البيئة وتطبيق سليم لمنظومة حقوق الإنسان واحترام لقيم العدالة والديمقراطية والامتثال لقواعد القانون الدولي المنظمة لنزع السلاح والالتزام بقواعد التسوية السلمية للمنازعات الدولية وغيرها.