مدونة سيف بن سعيد العزري


الأصل في انتقال الأموال أنها بمقابل، والأصل أن المدعي عند الاختلاف في مقدار الدين هو من يدعي الزيادة

سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI


09/06/2022 القراءات: 963   الملف المرفق


عُرضت عليّ دعوى مدنية عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بالسيب بسلطنة عمان، كانت تتضمّن طلب إلزام المدعى عليه بدفع مبالغ، ثارَ خلافٌ بين الطرفين بعد التسليم من المدعى عليه باستلامه مبالغ من المدعي في أمرينِ؛ الأوّلُ: مقدار المبالغ التي استلمها المدعى عليه من المدعي؛ فالمدعى عليه يقولُ بأنّها خمسمائة ريال عماني (500ر.ع)، والمدعي يقولُ بأنّها أكثر من ذلك، والثاني: الوجه الذي بموجبه استلم المدعى عليه هذه المبالغ؛ هل كان قرضاً أم عطيّةً؟، فكان الحكم - بفضل الله تعالى - نتاج بحثٍ في تمييزِ المدعى عليه من المدعي في الأمرينِ، وخلاصتُه "أنّه من المقرَّر فقهاً وقضاءً أنّ الإقرار حجة شرعية إن صدر من كامل الأهلية مختارا غير متهم في إقراره لقوله تعالى: (ياأيّها الذين ءامنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هي الإقرار، ولقوله: ( وليُملل الذي عليه الحق) والإملال هو الإقرار، كما أنّ القاعدة الشرعية المستقاة من الحديث الشريف تقضي بأن "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر"، فعلى المدعي في حال إنكار خصمه إثبات دعواه بالبيّنة المعتبرة، ومنها شهادة الشهود، وإلا كان له الحقّ في الاحتكام إلى ضمير خصمه بتوجيه اليمين الحاسمة إليه في الأحوال التي يصح فيها ذلك، فإن حلف خسر المدعي دعواه وإلا ربحها ما لم يردّها المدعى عليه إلى المدعي.
وبالنسبة إلى الوجه الذي بموجبه استلم المدعى عليه من المدعي المبالغ فإنّه من المقرّر فقها أنّ الأصل أنّ أموال ألناس مصونة مضمونة لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: "لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة نفس منه"، وقوله: "كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، فالأصل أنّ استلام المدعى عليه للمبالغ على سبيل القرض وليس على سبيل العطيّة، لما كان ذلك وكان المدعى عليه دفع بأنّه على سبيل العطيّة فإنّه يكون مدّعيا لخلاف الأصل فينقلب إلى مدّعٍ عرضا؛ فيلزم بالبيّنة فأهدر بينته معلنا إفلاسه منها، وعليه فتكون اليمين الحاسمة هي الفيصل في النزاع، فطلب توجيه اليمين إلى خصمه، فقرّرت المحكمة توجيه اليمين الحاسمة إلى المدعي (المدعى عليه عرضا) بأن يقسم بهذا اللفظ: "أقسم بالله العظيم أني أعطيت المدعى عليه المبالغ التي أدعي بها الآن على سبيل القرض بأن يردّها إليّ، وليس على سبيل العطيّة"، فأدّاها بهذا اللفظ، وعليه يضحى دفع المدعى عليه غير سديد فيكون ملزما بردّ المبالغ إلى المدّعي.
وبالنسبة لمقدار هذه المبالغ التي استلمها المدعى عليه من المدعي، فقد أقرّ المدعى عليه بأنّه استلم من المدعي ثلاثمائة ريال عماني (300ر.ع) عن فواتير الكهرباء ومائتي ريال عماني (200ر.ع) عن تعليم سياقة السيارة، فيكون مشغول الذّمة بخمسمائة ريال عماني (500 ر.ع)، وحيث إنّ المدعي يدعي الزيادة على هذا المبلغ فإنّه ملزم بالبيّنة، فأحضر شاهدين ترى المحكمة أنّ شهادتهما ليست كافية في إثبات دعوى المدعي بالزيادة فتلتفت عنها، فطلب المدعي توجيه اليمين الحاسمة إلى المدعى عليه بأنّه لم يستلم منه أكثر من خمسمائة ريال، فقرّرت المحكمة توجيه اليمين الحاسمة إلى المدعى عليه ليحلف بهذا اللفظ: "أقسم بالله العظيم أني لم أستلم من المدعي أكثر من خمسمائة ريال عماني" فأداها، وعليه فتكون دعوى المدّعي بالزيادة على هذا المبلغ غير ثابتة، فيكون المدعى عليه ملزما بأن يؤدي للمدعي خمسمائة ريال عماني (500ر.ع)".
وتجد - أخي الكريم - الحكم القضائي في الملف المرفق بالمقال أعلاه.


حكم قضائي، دين، قرض، المدعي، المدعى عليه،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع