مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


تطور القانون المرن في اطار المجتمع الدولي - الجزء الاول

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


11/06/2022 القراءات: 1330  


تطور الاهتمام الدولي بالقانون المرن
ان الالية التي يجري من خلالها اعتماد القانون المرن في إطار تطوير القانون الدولي وتطوير اليات انتاج احكامه تعكس مقداراً كبيراً في ايجاد روافد متعددة تصب في تطوير هذا القانون ومعالجة الفجوات الناجمة عن أي تعارض قد يحصل ما بين فكرة السيادة والرغبة في اقامة تنظيم دولي يعالج المشكلات الجوهرية في حياة المجتمع الدولي. ونعتقد بان ظهور هذا النهج في اطار القانون الدولي يرتبط بمعطيات عدة منها ما يتعلق بتطور فكرة الالزام في القانون الدولي العام والحديث عن امكانية التمييز ما بين مستويات متعددة ومختلفة من مظاهر الالتزام بهذا القانون، فحتما يشكل التطور الجوهري في اطار نظريات الالتزام في القانون الدولي منعطفاً حقيقياً لإمكانية تقبل مثل هذه الصيغ والنظم في اطار قانوني دولي بات يتميز بالقدرة على تطوير نظريات الالتزام بعيداً عن الافكار التقليدية وعن البناء النمطي القديم الذي يتعامل مع مبدأ سلطان الارادة والرضائية على انها تمثل الاساس الكلي لبناء نظريات الالتزام في هذا القانون، من دون ان ينظر الى الامر بنظرة اكثر واقعية واكثر اندماجاً مع التطور المستمر في مصادر الالتزام واحكامه ونطاقه واشخاصه ومستوياته. وبالتالي ليس بالأمر الغريب ان يتم التعامل مع صيغ أكثر حداثة وأكثر مرونة في توجيه قواعد السلوك لأشخاص القانون الدولي بالوجهة التي تتفق مع المثل والمصالح الدولية العليا.
كما يرتبط بتطور ظهور القانون المرن بروز الحاجة الفعلية في اطار المجتمع الدولي المعاصر الى التعامل مع اليات اكثر فاعلية في معالجة الكثير من القضايا المستجدة في اطار القانون الدولي البيئة والقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي التجاري والتي باتت تتسم بقدر اكبر من تبني معايير ومبادئ عامة وقواعد معيارية ومعايير سلوك تتسم بانها كأصل عام غير ملزمة الا انها تحتل مكانة واضحة في مجال التسليم بها والاعراف بأهميتها واعمال احكامها بنطاق واسع ما بين الدول والموافقة على اعتمادها بشكل اتفاقيات دولية ثنائية او متعددة الاطراف او ادماجها في النظم القانونية الوطنية لما تمتاز به من تطور في المعالجة والطرح، وتشخيص واضح للحلول المناسبة تجاه بعض الجوانب الجوهرية، وما تمنحه من فرصة حقيقة في التسليم بإمكانية معالجتها للموضوعات التي تتصدى لها، وبالتالي هي مدخل جديد لحث الدول على الاستعداد للدخول بالتزامات دولية مستقبلية تبدئها بفكرة القانون المرن والذي يتحول بشكل تدريجي الى مظهر من مظاهر الالتزام الدولي البات والتام.
ولا شك ان دخول المنظمات الدولية الى ميدان التعامل الدولي وقدرتها على المشاركة في انتاج القواعد القانونية الدولية ومشاركتها في توفير اليات مناسبة تلبي احتياجات الدول الى الاحكام المنظمة للموضوعات كان له الاثر البارز في تطور فكرة القانون المرن، إذ ان اعتماده المنظمة على اسلوب اصدار التصرفات القانونية بطريقة الارادة المنفردة وقدرتها على وضع اللوائح والنظم الداخلية واصدار القرارات واقرار التوصيات وتبني الاعلانات الدولية والعالمية، هذه الموضوعات اسهمت وبمقدار كبير في تطور فكرة القانون المرن وحققت المزيد من المزايا والمتطلبات لغرض اعادة الاعتبار لهذا المصطلح، ومن هنا اخذت تجربة القانون المرن داخل المنظمات الدولية تنمو وتزدهر وتتطور بشكل كبير، وباتت الامم المتحدة بوصفها ابرز منظمة دولية عالمية تتزعم المساعي الدولية الرامية الى تبني هذا المفهوم والدفاع عنه والسعي من اجل ترسيخه وابرازه، بل غدت هذه المنظمة المنبر العالمي الاكبر الذي يطرح صور مختلفة لنتاجات هذا القانون، ويرسي للدول الاعضاء تصورات ثابتة للتعامل معه وفق صيغ للخطاب تتسم بالقبول والتأثير والتوافق على المستوى الدولي من قبل المخاطبين بأحكامها.
وكذلك نرى ان من العوامل التي اسهمت في ازدياد الاهتمام الدولي بالقانون المرن التطور الكبير الذي تحقق في اطار بروز ظاهرة العولمة وما تركته من اثار كبيرة في مجال التوسع من الاهتمام بفرع جوهري وحيوي من فروع القانون الدولي العام والمتمثل بالقانون الدولي لحقوق الانسان وما شهده هذا القانون من الاعتماد في نطاق واسع وكبير منه على عدد كبير من الاعلانات الدولية وبرامج العمل والقواعد التي تنظم مختلف مجالات حقوق الانسان والتي عالجت وبشكل جوهري الكثير من المسائل المتعلق بصلب الحقوق المحمية وقدم نموذج لمدونات قانونية تتسم بالحداثة والدقة والتطور في معالجة المشكلات المختلفة، وكانت تلك النصوص من الاهمية ما يجعلها تحتل مكان الصدارة في موضوع التنظيم القانوني والمعالجة المحددة للمسائل، حيث انفردت تلك الاعلانات والقرارات وغيرها بانها تناولت بالتفصيل تعريف المصطلحات ونظمت الحقوق وحددت معالمها واوصافها ورسمت اليات حمايتها وتعزيزها وتطويرها، واسهمت في ارساء الكثير من المفاهيم والمبادئ المستقرة في واقع التعامل الدولي.


القانون المرن - القانون الجامد - مصادر القانون الدولي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع