مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


مفهوم الخصوصية في إطار الحقوق الأسرية

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


07/08/2022 القراءات: 3334  


مفهوم الخصوصية في إطار الحقوق الأسرية
الأستاذ المساعد الدكتور وسام نعمت إبراهيم السعدي/ كلية الحقوق - جامعة الموصل / wisamalsaad@uomosul.edu.iq
إن الخصوصية لدى البعض ليست مصطلح مناقضاً للعالمية، ولكنها في الأصل إضافة، بمعنى فتح الطريق للوصول في مجال حقوق الإنسان إلى ابعد ما يمكن أن يتفق عليه المجتمع الدولي، وبالنسبة للمجتمعات الإسلامية فان المجال متاح باعتبار أن الإسلام جاء في مجال حقوق الإنسان بما هو أوسع وأعمق من حقوق الإنسان العالمية، ولكن الملاحظ أن الخصوصية تستخدمها بعض الحكومات والأنظمة الرسمية للتنصل من التزاماتها الدولية.
ويعرف البعض الخصوصية بأنها: (التفرّد والتميّز وهي جملة الصّفات والخصائص الماديّة والمعنويّة التي تخصّ مجموعة بشريّة لتكون عنوان اختلافها وتميّزها عن بقيّة الخصوصيّات).( )
ويربط البعض الخصوصية بالخصوصية الثقافية حيث يعرفها بأنها "مجموعة العقائد والأفكار والطقوس والعادات والتقاليد التي تميز شعبا عن شعب آخر، وترجع إلى جذور دينية أو أثنية أو علمانية، الأمر الذي يعطي لجماعة بشرية أو مجتمع معين خصوصية معينة ثابتة ومستقلة عن خصوصيات الشعوب والجماعات الأخرى، وهذه الخصوصية الثقافية تزداد أهميتها إذا نظرنا إليها بوصفها " نتاجاً تاريخياً يحمل عبر الزمن تصورات وآراء ومعتقدات، وأيضا طرائق في التفكير وأساليب في الاستدلال قد لا تخلو هي الأخرى من خصوصية"
ويعتبر بعض الفقهاء انه لا مفر من التسليم بنتيجة إن القواعد الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان هي مثال مناسب عن الصعوبة في التقرير فيما إذا كان الأفراد يستمدون حقوقاً من القانون الدولي أم مجرد مزايا، وانه ثمة مشكلة اكبر في التصنيف طالما أن كثيراً من الالتزامات التي تعهدت بها الدول، يجري التعبير عنها بشكل لغة مبهمة ومثالية بحيث انه من غير المؤكد ما إذا كانت تعبر إطلاقاً عن التزامات قانونية تتميز عن مجرد الآمال الأدبية.
أما الأستاذ (شوارزنبرغر) فانه يعترف بالاختلاف في الأيدلوجيات العميقة بين نظم سياسية واجتماعية غير متجانسة، وان الأجدى من الناحية العملية القيام بمحاولة لحماية حقوق الإنسان في نطاق دولي أضيق، وقد يكون ذلك في إطار المنظمات الإقليمية التي تكون نظمها وعقلياتها وأيدولوجياتها متقاربة أو متجانسة، فتنمية حقوق الإنسان بطريقة اقل في صفتها الذرائعية والانتقائية، تتطلب درجة اكبر من التجانس مما تستطيع الأمم المتحدة أن توفره، وبطريق المقارن فان الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لسنة 1950 هي مثال إيجابي لهذا الاتجاه، فالإنجازات الأعظم تتحقق بمزيد من الاندماج الذي بلغته الجماعات الأوربية.
والملاحظ أن الدول الغربية كانت لديها مظاهر الاعتراف بأهمية الاعتراف بالخصوصية والمدافعة عنها في مواجهة العالمية، فوقعت دول أوربا الغربية في 4 تشرين الثاني 1950 الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والتي دخلت حيز النفاذ الفعلي في 3 أيلول 1953 تلاها الميثاق الاجتماعي الأوربي الموقع عليه في 18 تشرين الثاني 1961 والذي دخل حيز النفاذ في 26 شباط 1965، وفي القارة الأمريكية تم صياغة الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والتي تم التوقيع عليها في 22 تشرين الثاني 1969 ودخلت حيز النفاذ في 18 تموز 1978.
فقد نصت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في ديباجتها على أنها "صدرت عن حكومات لدول أوربية تسودها وحدة فكرية ذات تراث مشترك من الحرية والمثل والتقاليد السياسية واحترام القانون".
ونكتفي بالإشارة إلى مادتين من هذه الاتفاقية وكما يأتي:
1. المادة (1)تضمن الأطراف السامية المتعاقدة لكل إنسان يخضع لنظامها القانوني الحقوق والحريات المحددة في القسم الأول من هذه المعاهدة.
2. المادة (43) الفقرة(1) يجوز لأي دولة لدى تصديقها أو في أي وقت لاحق أن تعلن بإخطار موجه إلى السكرتير العام لمجلس أوربا، إن هذه المعاهدات تسري على كل أو جزء من الإقليم.
3. أما الفقرة (3) فتقرر ما يأتي: مع ذلك تطبق أحكام هذه المعاهدات على تلك الأقاليم مع الاعتبار المناسب للمتطلبات المحلية.
وإذا كان مؤتمر فينا العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993 قد خطا خطوة جديدة نحو العالمية عندما دعت الأمم المتحدة لمؤتمر عالمي لحقوق الإنسان، وقد فرضت قضية العالمية والخصوصية نفسها على مناقشات المؤتمر، فقد أبدت بعض الدول وعلى رأسها الصين تحفظاً على إطلاق العالمية وتعميمها في مجال حقوق الإنسان، وذلك على أساس أن الثقافة والتقاليد المحلية يجب أن تراعى وتحترم، وقدمت هذه الدول حججها المستندة إلى أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان بنيت أساساً على مفاهيم غربية لا تتناسب مع المجتمعات الأخرى كالأسيوية والإفريقية، لأنها تركز على الحقوق الفردية دون التأكيد على الحقوق الأخرى وبشكل خاص الحقوق التي تعزز من الروابط الاجتماعية والثقافية والإنسانية بين الإفراد. وقدمت المجموعة الإفريقية مبررات مماثلة إلا أن هذه الآراء لم تلقى استجابة حقيقية حيث اعترضت على هذه الآراء مجموعة كبيرة من الدول والتي تذرعت بان الدول التي اعترضت على مبدأ العالمية كانت دول ذات سجل متخلف في مجال حقوق الإنسان.
وفي ذات الإطار أكد المؤتمر بشكل واضح على أن العالمية لا تتعارض مع فكرة التنوع الثقافي والخصوصية الثقافية التي هي أيضاً حق من حقوق الإنسان، الأمر الذي دفع البعض إلى القول بان هذا المؤتمر نجح في تقريب وجهات النظر حول مفاهيم حقوق الإنسان المختلف بشأنها ما بين مناصري العالمية وبين المدافعين عن حق الخصوصية وصولاً إلى فهم مشترك لمنظومة حقوق الإنسان.
وهناك من يرى بان فرض حقوق عالمية تهمل الخصوصية الثقافية يعني احد أمرين، أما جعل تحقيق تلك الحقوق متعذراً لتعارضه مع الثقافة الوطنية والظروف الاجتماعية السائدة، وأما محاولة فرض ثقافة الأقوى مع ما يستتبع ذلك من المساس بجوهر الفهم الصحيح لحقوق الإنسان، لاسيما أن حقوق الإنسان هي ليست عطاء شعب دون أخر، لان هذه الحقوق عرفتها الشعوب منذ أقدم العصور ودعت إليها الأديان والفلسفات المختلفة.


الحقوق الاسرية / حقوق الانسان/ الخصوصية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع