مدونة محمد كريم الساعدي


بندول المعرفة والحركة البينية بين الوجود والمعنى / الجزء الثالث

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/12/2022 القراءات: 521  


إنَّ التحديد في أسبقية كل طرف على الآخر تقع كلها في هذه المسافة التي تشكل في الكائن الباحث عن مراحل تكامليته الآنية والمتغيرة حسب الفهم الصحيح والادراك والوعي، وأيضا الخبرة المتولدة من ممارسة اختبار هذه المسافة في تكوين مدلولات جمالية ذات أطر معرفية شكلت معيار عند من عرفها وخبرها، لذلك فالشخص الذي يعتقد بمثالية الأشياء في تحديد أطر فهمه لها والوصول إلى معانٍ كامنة في وعيه المتأني في فهم الأشياء، يكون قادراً على الانزياح في إطار (هوسرلي) يحدد طبيعة هذا المسافة في تعاليه للفهم . أما من ينزاح إلى أن من يحدد له طبيعة هذه المسافة في إطار حدود معينة يرجع في تحديدها المعرفي للأشياء، بوصفها ظهور للوعي في توجهه القصدي لها، في حال ظهورها يكون في الطرف الآخر من المعادلة ألا وهي مادية الأشياء في مفهومها (الميرلوبونتي) في تحديد أسبقية المحدد لهذه المسافة . وأما من هو باحث في وجود هذه المسافة التي تعد في قياسها هي من تعطي لكلا الطرفين وجوداً ظاهراً في المعرفة الإنسانية يجعل من (الدازاين الهيدجري) هو محل انطلاقة في مسك المعرفة من الوسط، من دون الركون إلى أحدهما على حساب الآخر ، وأخيراً في الحرية التي تؤكد منبع وجود الإنسان في الاختيار على أي صورة يكون، في هذا المسافة المعرفية هي من تجعل من هذا الإنسان خارج أطر الصراع المعرفي بين الطرفين ووجودهما معنى ، لأن هذا الاختيار هو من يحدد حقيقة (سارترية) الانتماء في شكل الظهور وتشكيل المعنى في هذا التكوين المعرفي.
إنَّ الذات والموضوع (الوعي/ الشيء) والمسافة المعرفية، وأسبقية الظهور في سلبيته وإيجابيته، والمعنى المتشكل، وتحديد الاختيار (لمن الأسبقية)، وغيرها من المرتكزات المعرفية كلها توضح مدى الاختلاف في تشكيل هذه الأطر، التي توضح حجم وطبيعة الفهم والإدراك في هذه الجدلية الكبرى، التي انطلقت معها أفكار وفلسفات حاولت إثبات أحقية وأسبقية ظهور (وجود مَن / معنى مَن) على الآخر في هذه الاشكالية الكبرى ، لكن بعضهم يراها تنطلق في إطار المتعة القائمة على اختلاف التفكير حتى في الاتجاه الواحد كما هو في الوعي والشيء بين كبار فلاسفة الفينومينولوجيا وانزياحاتها الوجودية . فهذه المتعة تؤكد على التأرجح بين الوعي والشيء، أو الذات والموضوع، وهنا يرى (روبرت ياوس) الباحث في مجال الخبرة الجمالية في هذه المسافة المعرفية بين الوعي والشيء إن" التأكيد ليس فقط على الحركة التقدمية والتراجعية بين الذات والموضوع، ولكن أيضاً على الوحدة الاساسية للاستمتاع بالفهم وفهم المتعة . وللمتعة كلمات أخرى يجب ألا تنفصل عن وظيفتها العملية الموجهة للإدراك (...) إدراك يعتمد على ما يمكن للمرء أن ينجزه بشكل من العمل يحاول ويفحص لغرض جعل الفهم والانتاج متوحدين" (4).
إنَّ عملية المتعة في فهم وإدراك هذه المعضلة في التحديد من حيث الأولويات والمسارات في هذه الرؤى المختلفة وكيفية الظهور، تجعل من هذه العملية محركاً أساسياً في إنتاج حركة الصراع الفكرية حول الموضوع ذاته، كون هذا الحركة مستمرة في خلق شكل المفاهيم المستقبلية التي يكون عليها شكل حركة المستقبل المعرفية وما هي طرائق انتاج المعرفة، كون أن كل تيار يخلق في داخله حراك آخر يطور من أساليب إنتاج معرفة متقدمة داخله على حساب الرؤى المتصارع في الدفاع عن الآراء في تأكيد أحقية الظهور في الوجود والمعنى في هذه المسافة المعرفية .
الهوامش
1. تيري أيغلتن : مقدمة في النظرية الادبية ، ترجمة ، أبراهيم جاسم العلي ، بغداد : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1992 ، ص70- 71.
2. غسان يعقوب ، وجوزيف طبش : سيكولوجية الاتصال والعلاقات الانسانية ، بيروت : دار النهار للنشر ، 1979، ص145.
3. نفسه ، ص 143.
4. روبرت سي هول: نظرية الاستقبال ، مقدمة نقدية ، ترجمة : رعد عبد الجليل جواد ، اللاذقية : دار الحوار للنشر والتوزيع ، 1992، ص94.


المعرفة ، الوجود ، والمعنى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع