مدونة محمد كريم الساعدي


الوعي والمعنى وتشكل الموجودات / الجزء الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


30/03/2022 القراءات: 762  


إنَّ موضوع الوعي أخذ تفسيرات ومسميات عدة، بحسب التوجهات الفكرية والفلسفية لهذا المفهوم واستخداماته في المدارس والمذاهب الفكرية، إن الوعي لا يعبر فقط عن عمل الفرد؛ بل حتى عن عمل الجماعة التي تشترك في توجه فكري وعقائدي، أو حتى مبدأ من المبادئ السلوكية؛ بل يأخذ مدى أوسع قد يعبر عن فكرة ايديولوجية، مثلاً الماركسية التي ترى فيه " أعلى أشكال انعكاس الواقع الموضوعي وهو كامن في الانسان وحده، والوعي هو المجمل الكلي للعمليات العقلية التي تشترك ايجابياً في فهم الانسان للعالم الموضوعي ولوجوده الشخصي ويرجع أصله إلى العمل وإلى نشاط الناس الانتاجي والاجتماعي " (4) ، وهذا ما يفسر بأن الوعي المرتبط بالعمل هو الأصل الذي ينطلق منه نحو الانتاج والبناء الاجتماعي بحسب النظرة الانعكاسية القائمة العالم الموضوعي، وكذلك فأن الوعي في فلسفات أخرى كما عند (جون لوك) بأنه حساً داخلياً، أما (وليام جيمس) يعده غير داخلياً في العلاقة القائمة بين الذات والعالم.
أما في علم النفس فهو يرجعه إلى العمليات العقلية التي يقوم بها الانسان لفهم العالم بما فيه الانسان ذاته، أما على المستوى الجمعي فهو يرتبط بالتفكير والإحساس الذي يوجه أفراد الجماعة، أو المجتمع، وكذلك فأن المفهوم الديني للوعي يرتبط بالعلاقة التي تتحصل من خلالها ادراكات نفسية قائمة على معرفة الخالق (الله جل وعلا) (5) .
وبالانتقال إلى آخر المفاهيم التي نسعى إلى استيضاحها في هذا المجال هو المعنى، فما هو المعنى؟ وكيف يتشكل في داخل الوعي الإنساني؟، فالمعنى اصطلاحياً هو" ما (تعنيه) ما تبلغه كلمة ما توصله إلى الفكر عبارة أو أية علامة أخرى تؤدي وظيفة مماثلة " (6)؛ فهل هذا الذي تبلغه الكلمة، أو أية علامة أخرى يتشكل على شكل صورة ذهنية؟، أو مفهوم له دلالة معينة ومحددة في الفكر الفردي أو الجمعي، ويتميز بمزية خاصة عن جماعة ما، أو عند شعب، أو أمة يدخل فيها شعوب مختلفة. وفي تحديد آخر للمصطلح يرى بأنه " الصورة الذهنية من حيث وضع بإزائها اللفظ ويطلق على ما يقصد بالشيء، أو ما يدل عليه القول، أو الرمز، أو الإشارة، ومنه دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي، أو المجازي ودلالة القول على فكرة المتكلم ودلالة اللافتات المنصوبة على الطريق في اتجاه السير ودلالة السكوت على الإقرار ودلالة البكاء على الحزن " (7).
إنَّ المعنى هنا يشير إلى ما يتشكل في الذهن، أو الوعي من صور ذهنية قد تكون ناتجة عن معنى حقيقي كاتجاه السير ودلالة العلامة، أو مجازي وما بين الحقيقي المادي، أو الوجود المادي الظاهري وبين المجازي الذي يشير إلى فكرة ما، أو إلى صورة ذهنية قد لا تأتي من الشيء المادي، إنَّ المعنى الحقيقي يأتي في مفهوم استخدام الكلمة بمعناها الأول، أي المتداول عن الشيء ذاته، وهذا التداول هو شائع ومعناه بسيط جدا، أما المجازي فأنه يشير إلى ما ينتج من علاقات ومفاهيم مجردة عن الصورة الواقعية، وحتى في هذا المجال فإن المعنى المتشكل من هذه العلاقات المجردة يصبح ذات قيمة في التشكيل إذا استمد حضوره في الوعي الانساني من الصور المادية أو العالم الوجودي الحقيقي لكن بفعل الانتقال وتكوين العلاقات المجردة يتشكل معنى مجازي منها لذلك الشيء الواقعي (8).
إنَّ المعنى يأتي على جانبين إما ذاتي وهو ما يرتبط بمجموعة من الاحاسيس والصور الذهنية الشخصية، التي ترتبط بلفظ معين متماشيًا مع هذه الصور الذهنية ومرتبطاً أيضاً بعملية فهمية وتواصلية، بين المتكلم والمستمع، أما الجانب الآخر فهو الجانب الموضوعي، الذي تدل عليه ما يرتبط به من ألفاظ ومعانٍ ثبتها الوضع والاصطلاح، واثبت وجودها الاستعمال الواقعي، مثلاً ما ثبت في المعاجم والقواميس والكتب العلمية وغيرها (9).


الوعي الوجود الموجودات المعنى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع