الشعر المنسوب إلى الإمام البخاري
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
28/11/2022 القراءات: 2905
هل للبخاري شعرٌ؟
نظرتُ في مصادر ترجمته، فوجدتُّ الآتي:
قال أبو عبدالله الحاكمُ في "تاريخ نيسابور": ومِنْ شعر البخاري: قرأتُ بخط أبي عمرو المُستملي: وأنشد البخاري:
اغتنمْ في الفراغ فضلَ ركوعٍ ...... فعسى أن يكونَ موتُك بغتهْ
كم صحيحٍ رأيتَ مِنْ غيرِ سقمٍ ...... ذهبتْ نفسُه الصَّحيحةُ فلتهْ
قال: وأنشد البخاري:
خالقِ الناسَ بخلقٍ واسعٍ ...... لا تكن كلبًا على الناس تهرّ
قال: وأنشد أبو عبدالله:
مثل البهائم لا ترى آجالَها ...... حتى تُساقَ إلى المجازرِ تُنْحرُ
قال: وأنشد البخاري:
إنْ تبقَ تُفْجَعْ بالأحبة كلهم ...... وفناءُ نَفْسِكَ لا أبا لك أفجعُ"
***
وقد نقلَ هذا عن الحاكمِ تاجُ الدين السبكي، فقال: "ذكرُ نُخبٍ وفوائد ولطائف عن أبي عبدالله"، وأوردَ ما سبقَ.
ومِنْ بعدِه نقلَ الحافظ ابنُ حجر بعضَه:
قال في "تغليق التعليق": "وكانَ [البخاري] صاحبَ فنونٍ ومَعْرِفةٍ باللغة والعربية والتصريف، ومِنْ شعرِه:
اغتنمْ في الفَراغ فضلَ رُكُوعٍ ...... فَعسى أَن يكون موتُك بغتهْ
كم صحيحٍ رأَيْتَ مِنْ غيرِ سقمٍ ...... ذهبتْ نَفْسُه الصَّحيحةُ فلته
رواهما الحاكِمُ في "تاريخه"، وَلمّا بلغَه موتُ عبدِالله بنِ عبدالرَّحْمن الدَّارمِيّ أطرقَ ثمَّ رفع رأسه وهُوَ يبكي وأنْشد:
إِنْ عِشْتَ تُفجعْ بالأحبة كلِّهم ...... وَبَقاءُ نَفْسِكَ لا أبالك أفجعُ" .
***
قلتُ: وقد وجدتُّ البيتين الأولين في كتاب "قصر الأمل" لابن أبي الدنيا:
قال ابنُ أبي الدنيا: "أنشدَني أبو عبدالله أحمدُ بنُ أيوب:
اغتنمْ في الفراغ فضلَ ركوعٍ ...... فعسى أن يكون موتُك بغتهْ
كم صحيحٍ رأيتَ مِنْ غير سُقمٍ ...... ذهبتْ نفسُه الصحيحةُ فلتهْ".
ورواهما مِنْ طريقهِ كذلك:
البيهقيُّ في كتابه "الزُّهد الكبير" .
والخطيبُ البغدادي في كتابه "اقتضاء العلمِ العمل".
فهل هما للبخاري أم لأحمد بن أيوب هذا؟ الله أعلم.
وابنُ أبي الدنيا توفي سنة (281)، فيكون أحمد بن أيوب مِنْ طبقة البخاري، ولتُنظر ترجمته، مَنْ يكون.
وقد أنشدَهما الشيخُ الأديبُ الكبيرُ أحمد بن محمد المقري التلمساني في مجلس ختمه صحيح البخاري في دمشق سنة (1037أو 1039)، وعزاهما إلى البخاري، وأفاد أنْ ليس له غيرُهما.
***
وأوردَ عددٌ من العلماء هذين البيتين مِنْ غيرِ عزوٍ إلى قائلٍ معيَّنٍ، وهم:
ابنُ عبدالبر (ت: 463) في "بهجة المجالس".
وأبو علي الحسن بن أحمد (ت:471) في "الرسالة المغنية".
وابنُ الجَوزي (ت: 597) في "التبصرة".
وابنُ رجب (ت: 795) في "جامع العلوم والحكم".
وابنُ رجب ينقل كثيرًا من ابنِ الجوزي، وابنُ الجوزي كثيرُ الاعتماد على ابن أبي الدنيا، فرجع البيتان -عندَهما- إلى إنشاد أحمد بن أيوب.
***
أمّا البيت الثالث:
خالقِ الناسَ بخلقٍ واسعٍ ...... لا تكن كلبًا على الناس تهرّ
فهو لابن المبارك، كما جاء في "شُعب الإيمان للبيهقي"، ونُسِبَ إلى غيره. فيكون البخاري قد تمثلَ به.
***
والرابع:
مثل البهائم لا ترى آجالَها ...... حتى تُساقَ إلى المجازرِ تُنْحرُ
لم أقفْ عليه الآن.
***
وما أنشدَهُ عند موت الدارمي موجودٌ في كتاب "العين"، فهو ليس له.
ونُسِبَ إلى عبدالله بن عبدالأعلى، وإلى أعرابي بهذا اللفظ:
إنْ تبقَ تُفْجَعْ بالأحبة كلِّهم ...... أو تُرْدِكَ الأحداثُ إنْ لم تُفْجَعِ
***
وما كان البخاري ذا عنايةٍ بالشعر، قال إسحاقُ بنُ أحمد بنِ خلف: "كنّا عند محمد بن إسماعيل فوردَ عليه كتابٌ فيه نعي عبدالله بن عبدالرحمن [الدارمي] فنكس رأسَه، ثم رفعَ واسترجعَ، وجعلَ تسيلُ دموعُه على خديه، ثم أنشأ يقول:
إنْ تبقَ تُفْجَعْ بالأحبة كلِّهم ...... وفناءُ نفسِكَ لا أبا لكَ أفجعُ
قال إسحاقُ بن أحمد: وما سمعناه يُنشِدُ شعرًا إلا ما يجيء في الحديث".
***
شعر البخاري
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع