مدونة ا.د سلوان كمال جميل العاني


الكفاءة والإبداع مصدر قوة الأفراد والشعوب

ا.د سلوان كمال جميل العاني | Prof.Salwan K.J.Al-Ani (Ph.D) FInstP


04/06/2022 القراءات: 1437   الملف المرفق


يسعدني ان ارحب بكم في ملتقى اعضاء منصة أريد الثقافي في الولايات المتحدة الامريكية الذي يعقد ضمن سلسلة من الملتقيات الثقافية في دول العالم المختلفة. لقد حرصت الجامعات الامريكية على تقليد جامعة برلين في الانتقال من التعليم الى البحث ، حيث سادت جامعات ألمانيا فى النصف الأول من القرن العشرين، وكانت هى الأفضل فى العالم، وكانت جامعات أمريكا تأخذ منها لتصبح قريبة من مستوياتها. وكان هناك خطّان متوازيان في الولايات المتحدة هما رجال الأعمال وقادة الجامعات، ولم يكن هدف رجال الأعمال هو الربح، ولم يكن هدف قادة الجامعات هو تخريج الطلاب، وقد ادى التحالف بين هذين النموذجين الوعي لتأسيس القوة الأمريكية المعاصرة.
كان تأسيس جامعة هارفارد وأخواتها بداية حقبة فى العالم الجديد، ونمطاً جديداً من الجامعات وهو جيل الجامعات البحثية حيث كان الهدف هو البحث والعلم، والناتج المعرفى، والإنتاج الصناعى، والعائد الاقتصادي.
أن البحث العلمي هو الذى قاد أمريكا إلى صدارة العالم، وإن الجامعات العظيمة هى التى جعلت أمريكا قوة عظمى، وأن مَن يملك العلم يملك العالم. ولولا هذه الجامعات البحثية ومختبرات العلوم، وبراءات الاختراع، ما كانت المصانع ولا الشركات، وما كان الإنتاج ولا التصدير.
ولا يخفى عليكم ان قيمة المجتمعات ومكانتها لا تقاس بوفرة عددها وكثافتها السكانية، فليست الأمة الأكثر عددًا هي الأرقى والأفضل ، كما أنّ الثروات والموارد المالية ليست هي العامل الأساس في تقدم المجتمع، وفي المقابل نجد ان الدول التي تملك العقول والأفكار هي من تساهم في تقدمها رغم انها لا تمتلك الموارد الطبيعية.
لذلك فان مقياس تقدم المجتمعات يتمثل في الكفاءات والقدرات العلمية والتقنية، فالمجتمع الذي يضم الكفاءات النوعية يكون هو الأفضل والأقوى، وإن كان محدود العدد والموارد، فالكفاءة والإبداع تعتبران مصدر قوة الأفراد والشعوب، والمجتمع الأقوى هو الذي تكثر الكفاءات وقدرات الإبداع بين أبنائه ، والأوطان تفخر بابنائها وكفاءاتها من العلماء والمخترعين.
وفي الجانب الاخر نجد ان تطور الشركات العالمية وارتفاع ميزانياتها على الدول الغنية بالموارد الطبيعية، وهناك دول لا تملك من الموارد الطبيعية الا القليل ورغم ذلك فانها تحتل أقوى الاقتصادات في العالم، وهي من أغنى دول العالم.
فهذه الشركات والدول استثمرت العقول لصناعة المستقبل، واعتمدت رأس المال البشري فالعقول هي التي تحقق التفوق العلمي، ومن افكار الباحثين تُخلق كيانات وشركات عملاقة، يفوق اقتصادات عشرات الدول في العالم .
وتنفق هذه الشركات مليارات الدولارات في الجانب البحثي، متفوقة على الإنفاق البحثي لكثير من الدول، وتسثمر طاقات الباحثين الشباب، للاستفادة من الافكار المبدعة التي أثمرت بنتائج تكنولوجية حققت لها دخلًا عاليا ومستداماً.
واوجد العالم جوائز للتنافس على أهم الانجازات العلمية والتقنية التي احدثت تطور في حياة البشرية، وجائزة نوبل هي أكبر جائزة مرموقة في العالم، والتي منحت لأول مرة في عام 1901م، وحصل عليها أفراد ومجموعات من اكثر من 30 دولة، وكان مواطنو الولايات المتحدة في مقدمة الدول الذين حصلوا على اكثر من 350 جائزة وتلتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا على الترتيب، وكان نصيب الدول العربية 7 جوائز فقط .
فلبنان، وسوريا، والعراق، والأردن، ومصر، وتونس، والمغرب، والجزائر اقطار عربية تعاني من هجرة العقول والكفاءات خاصة العلماء والمهندسون والأطباء والخبراء كلّ عام الى الولايات المتحدة الأميركية، ونسب عالية منهم إلى أوروبا وكندا، كما ان نسبة 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
فالامة العربية تعد أجيالًا من الشباب وتضم نخبة من الكفاءات العلمية، لكنها غير قادرة على العطاء، بسبب العوامل الاجتماعية والثقافية والمادية، أو بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية، من ضعف تمويل وتشجيع البحث العلمي، وعدم وجود رعاية وتقدير للعلماء، وغياب المؤسّسات البحثية الرصينة والقوانين والتشريعات التي تضمن حقوق تلك الكفاءات اضافة لغياب الحرية وتفشي البيروقراطية والمحسوبية، والإهمال المتعمد والإقصاء الممنهج وغياب الحوافز المادية والمعنوية مما يتسبب في خسارتها وهجرتها الى مجتمعات تقدر العلم وتحترم العلماء وتوفر لهم حياة كريمة وأجواء مناسبة للبحث العلمي.
ويحذر الخبراء مما تشهده البلدان العربية من الهجرة الصادمة للعقول والمهارات والمهنيين، الذين يجدون تقديرهم عبر منظومات عملية ومادية في بلاد أخرى، مما يؤدي لخسارة مليارات الدولارات سنويا، وابقاء بلدانهم الاصلية في نزيف لتلك الكفاءات.
ومن التحديات التي يجب العمل عليها هي مواءمة البرامج التعليمية مع احتياجات سوق العمل، حيث تحتاج فرص العمل لمهارات تقنية ومهنية وهذا ما يساعد في ايجاد البنية الاجتماعية والاقتصادية للتعليم المهني والتقني في البلاد العربية.
فالفجوة الرقمية بين دولنا والعالم سببها عدم وجود استثمارات كافية في القطاعات الرقمية، والنظرة للتعليم بانه عملية استهلاكية.
لذا يجب على الانسان في مجتمعنا ان يجتهد في اكتشاف وتطوير الكفاءات والمواهب ، وإنّ صناعة الإنجاز والتميّز والعقول المبدعة هو ثمرة طبيعية للجدّ والاجتهاد والعمل، فليس هناك من اختلاف خلقي أو تكويني لدى روّاد الإبداع والتميّز عن بقية البشر، بل ان الكثير من المبتكرين والمبدعين الذين فجروا طاقاتهم عاشوا ظروفا قاسية، لكنّهم تغلّبوا على تلك الظروف، وتجاوزوا الصعوبات بإرادتهم وجدّهم واجتهادهم، وباكتشاف ذاتهم وتحقيق طموحاتهم .
ولتحقيق التنمية في اي بلد يجب تنمية الإنسان اولا وهو الثروة الحقيقية للتقدم في مجتمعات المعرفة.
وتجدر الاشارة الى ان منصة أريد العلمية اصبحت وجهة للعلماء والباحثين نتيجة توفيرها البيئة المناسبة للبحث العـلمي، وتقديم البرامج العلمية والتعليمية المتطورة لرفع قدرات الباحثين والعمل على بناء جسور مع الباحثين واعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمراكز البحثية العربية والدولية.


العقول والأفكار ، مجتمعات المعرفة، اقوى الاقتصادات، هجرة العقول العربية، التنمية، التنافس العلمي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع