مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


✍️ حادثة الإفك

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/03/2023 القراءات: 271  


✍️ حادثة الإفك

بعد فشل محاولة المنافقين في إثارة العصبية الجاهلية أعماهم الغضب ، وقد واتتهم الفرصة لإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهل بيته، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها قد خرجت معه إلى غزوة بني المصطلق وذلك بعدما شرع الله الحجاب للنساء

وفي طريق العودة، عندما اقترب المسلمون من المدينة نزلت من هودج البعير لبعض شأنها، فلما عادت افتقدت عقداً لها، فرجعت تبحث عنه فحمل الرجال هودجها فوضعوه على البعير وهم يحسبونها فيه إذ كانت صغيرة خفيفة

ومضى المسلمون إلى المدينة تاركيها في البيداء (الصحراء) وقد وجدت عقدها ورجعت إلى المعسكر فلم تجد أحدا وفقدت الركب، فمكثت في مكانها تنتظر أن يعرفوا بخبرها ويعودوا إليها، فمر بها صفوان بن المعطل السلمي وهو من خيرة الصحابة رضوان الله عليهم، فعرفها ، فحملها على بعيره وانطلق بها إلى المدينة، فوصل إليها بعد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم


وقد استغل المنافقون هذا الحادث ونسجوا حولها ، وتولى ذلك عبد الله بن أبي بن سلول وأغرى بالكلام مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش أخت السيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين ، فاتهمت السيدة عائشة رضي الله عنها بالإفك ، بينما حفظ الله السيدة زينب رضي الله عنها بورعها فقالت لما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها : " أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا "

وضاق الرسول صلى الله عليه وسلم ذرعاً بدعايات المنافقين وصرَّح بذلك للمسلمين وهم مجتمعون في المسجد معلناً ثقته بزوجته وبالصحابي صفوان بن المعطل، وقد أبدى سعد بن معاذ رضي الله عنه استعداده لقتل من يروج ذلك إن كان من الأوس، فأظهر سعد بن عبادة رضي الله عنه معارضته لسعد بن معاذ لأن عبد الله بن أبي من الخزرج ، حتى كادت تقع الفتنة بين الأوس والخزرج لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هدأهم.

ومرضت السيدة عائشة رضي الله عنها ، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى بيت أبيها فأذن لها ، ثم علمت بخبر الإفك فكانت "لا يرقأ لها دمع (لا تنقطع عن البكاء)ولا تكتحل بنوم" وهي تنتظر أن يعلم الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم ببراءتها برؤيا صادقة

وقد انقطع الوحي شهرا كاملاً عانى خلاله الرسول صلى الله عليه وسلم أشد المعاناة فقط طعنه المنافقون في عرضه وآذوه في زوجه، وعانت السيدة عائشة رضي الله عنها أشد المعاناة وعانى أبو بكر رضي الله عنه ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى الوحي وهو في أشد الحاجة إليه لتطمئن نفسه ويخرس ألسن النفاق ويذب عن زوجه الحبيبة وأبيها الذي كان أحب الناس إليه. ثم نزل الوحي بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ...} [النور :11-20]

وكان أبو بكر رضي الله عنه ، ينفق على قريبه مسطح، فحلف أن لا ينفق عليه فنزلت الآية {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ..} إلى قوله {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [سورة النور : 22]
فقال أبو بكر رضي الله عنه : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لى ، فأعاد إلى مسطح النفقة التى ينفقها عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا "
( البخاري ومسلم )

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة حد القذف على مسطح وحسان وحمنة رضي الله عنهم ، ولا شك أنهم اشتركوا في إشاعة الإفك ولكن الدور الكبير كان للمنافق عبد الله بن أبي بن سلول وأتباعه ، وإنما ذكرت أسماء الثلاثة لأنهم مسلمون، وما كان ينبغي أن يقعوا في حبائل المنافقين وقد عاتبهم القرآن الكريم بقوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} النور 12

أما عبد الله بن أبي بن سلول الذي تولى كبر الإفك وقاد حملة الدعاية فلم يقم عليه الحد ولعل ذلك لأن إقامة الحدود فيها كفارة عن الجناة، وهو ممن توعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة فليس أهلاً لإقامة الحد عليه، وقيل لأن هذا المنافق كان لا يترك دليلاً ضده فلا يتكلم بالإفك أمام المؤمنين

وكان كثير من المؤمنين على يقظة كاملة وثقة كبيرة بآل بيت النبوة، فلما سمع أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه بإشاعات المنافقين قال: (سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم)
(البخاري)

ولقد كادت حادثة الإفك أن تشعل نار العصبية من جديد بين الأوس والخزرج حيث تجادل زعماؤهم بغضب في المسجد، وكان هذا هو مقصد المنافقين أن يهدموا وحدة المسلمين ويزعزعوا ثقتهم بقيادتهم، ويشعلوا نار الفتنة. بينهم، ولكن الله سلم، وتمكن الرسول عليه الصلاة والسلام من تهدئة الجميع والحفاظ على وحدتهم

ونالت السيدة عائشة رضي الله عنها تعويضا عن محنتها وصبرها وحسن توكلها على الله ، فأنزل الله براءتها من فوق سبع سموات في قرآن يتلى ويتعبد به الناس إلى يوم الدين.


✍️ حادثة الإفك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع