فتوى بشأن (الطواف والسعي ورمي الجمرات من الأدوار العلوية)
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI
19/06/2023 القراءات: 838
(الطواف والسعي ورمي الجمرات من الأدوار العلوية)
س: مع الزيادة في الكثافة السكانية ازداد عدد حجاج بيت الله الحرام، وكذلك المعتمرين ولاسيما في شهر رمضان، مما تسبب بوقوع حوادث مؤسفة نتيجة شدة الازدحام، ووقوع ضحايا واصابات، ومن أجل تجنب هذه الحوادث حرصت الجهات المنظمة لمناسك الحج والعمرة على وضع اجراءات لتقليل الازدحام، من خلال القيام بمشاريع توسعة في الحرم المكي والمشاعر، واصبح للطواف وللسعي ولرمي الجمرات طوابق عدة، فما حكم الطواف والسعي والرمي في الأدوار العلوية؟
ج: من المعلوم أن مكان الطواف هو حول الكعبة المشرفة داخل المسجد الحرام لا خارجه، لقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُو ا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 29)، وجمهور الفقهاء يرون جواز الطواف على سطح المسجد، وخالف في ذلك المالكية فرأوا أن الطواف في سطح المسجد كالطواف خارج المسجد، لكن الصحيح هو قول الجمهور؛ وذلك لأن الهواء له حكم القرار، للقاعدة الفقهية: الهواء تابع للقرار، وحكم الأهوية تابع لحكم الأبنية أو حكم ما تحتها، وسطح كل شيء له حكم ذلك الشيء، وسطح المسجد له حكم المسجد، فتجوز الصلاة على سطح المسجد اقتداءً كما تجوز فيه، ويصح الاعتكاف في السطح كما يصح الاعتكاف في المسجد، ومما يدلل على أن الهواء له حكم القرار، قوله تعالى: (لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) (الزخرف: 33)، قال ابن العربي: (فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّقْفَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ)، وقال تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة:149)، ومعلوم أنه يوجد في الأرض أماكن منخفضة عن الكعبة، وأماكن مرتفعة عنها، وقد حصل الإجماع على أن من صلى في تلك الأماكن أن صلاته صحيحة، وهو قد استقبل إما هواء الكعبة، وإما قرارها، وفي الآثار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رمى جمرة العقبة من فوقها، (أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة)، وصلى أبو هريرة رضي الله عنه على ظهر المسجد بصلاة الإمام، ( رواه البخاري معلقا)، قال ابن رجب (فتح الباري 2/ 442): أنه تجوز الصلاة على ما علا على وجه الأرض، سواء كان موضوعا عليها وضعا، كمنبر وسرير من خشب أو غيره، أو كان مبنيا عليها، كسطح المسجد وغرفة مبنية عليه أو على غيره، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: (ظهر المسجد كقعره) (تاريخ المدينة لابن شبة ، 37)
وقد تعرض الفقهاء المتقدمون لهذه المسألة، جاء في حاشية قليوبي وعميرة: فلو سقف - أي المسعى - وطاف على سقفه هل يكفيه ؟ وفي كلام العلامة العبادي جوازه.
وقد أجازت ذلك اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية –وهي من أخبر المعاصرين بالمناسك- مستدلة على ذلك بأنه : إذا جاز في الجمرات راكباً جاز السعي فوق سقف المسعى، فإن كلاً منهما نسك أدي من غير مباشرة مؤدية للأرض التي أداه عليها، بل السعي فوق السقف أقرب من أداء شعيرة من شعائر الحج أو العمرة فوق البعير ونحوه، لما في البناء من الثبات الذي لا يوجد في المراكب.
فالعبرة بهواها وما يقابل هواها فإن الهواء له حكم القرار، وهذه القاعدة هي المعتمد الشرعي للتوسعة الحاصلة في الحرم المكي ومرمى الجمرات، ولهذا أثر عظيم في التوسعة على المسلمين في أداء مناسكهم وتخفيفا للمشقة الحاصلة بسبب الزحام وكثرة التدافع، فإذا طاف في الدور الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس دوراناً حول الكعبة كفى، ولما في ذلك رفع الحرج عن المكلفين.
الفتوى: يجوز الطواف والسعي والرمي في السطح والادوار العلوية ، وهو مجزئ في أداء هذه الشعائر، كالراكب إذ لا يمس بقدميه أصل الارض، وأن للهواء حكم القرار، وللسطح حكم القعر، ولما فيه من التيسير ودفع المشقة ورفع الحرج عن الحجاج والمعتمرين ولاسيما مع الزحام الشديد، ودفع الضرر بالمتيسر مطلوب شرعا لتجنب الحوادث المؤسفة.
الحج- مستجدات الحج - فقه الحج- الطواف في الدور العلوي- احكام الحج- طه الزيدي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع