مدونة الدكتور محمد محمود كالو


الصيام جُنَّة وجَنَّة، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


01/04/2022 القراءات: 758  


الصيام جُنَّة وجَنَّة
إن التقوى وتحرير النفس هو الغاية من الصيام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
التقوى هي الغاية المنشودة والدرة المفقودة، وأهل التقوى هم ملوك الدنيا والآخرة، وأهل السعادة الحقيقية والشرف العظيم، واكتساب التقوى يحمل النفس على ترك المعصية، والإقبال على الطاعة.
ويؤكد الآية ويعضدها قوله صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) [رواه البخاري] أي: وقاية من المعاصي، وإنما كان كذلك؛ لأن من آثاره على الصائم كسر شهوته.
والصِّيَامُ جَنَّةٌ لفوائده الجَمَّة، حيث له آثار على النفس، إذ يحفظها في الحال والمآل، أما في الحال: فبحفظ البدن والقلب والفكر حساً ومعنى، أما حساً فبحفظ صحة الجسم، وأما معنى فبحمل النفس على الاستقامة، وفي المآل: بجلب الثواب لها، ودرء العقاب عنها.
وقد شرع الله تعالى العبادات كلها لتهذيب الأنفس وتربيتها على الطاعة والاستقامة، والصوم واحد من هذه العبادات، يحصل به حفظ الأنفس في العاجل والآجل، وصيانة لها في المعاش والمعاد، وحفظاً صحياً معنوياً لها في الحال والمآل.
وعند إطلاق النفس يراد به الإنسان كله، وهو الاستعمال الذي درج عليه الفقهاء، فهم حينما يتحدثون عن ضرورة حفظ النفس باعتبارها من الكليات الخمس الواجب حفظها، يريدون بها الانسان بكامله، وهذا الإنسان له مقومات مادية ومعنوية ثلاثة، وما سواها تابع لها، وقد جاءت الإشارة إلى هذه المقومات الثلاثة في القرآن الكريم، وهي:
1- البدن: ويرادفه في المعنى الجسم والجسد، قال الله تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:14].
2- الفكر: ووعاؤه العقل، وقد جاء ذكره بلازم من لوازمه، كقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]، وقوله عز وجل: {خَلَقَ الْإِنسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:2-3].
3- القلب: ويعبر عنه بالصدر، وقد يطلق عليه تجوزاً: الروح، كما يطلق عليه النفس، من باب إطلاق الكل على الجزء، قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].
وبحفظ هذه المقومات الأساسية يكون حفظ النفس بجميع أنواع الحفظ الصحي والمعنوي، وهذا الحفظ هو وظيفة الصيام، قال عليه الصلاة والسلام: (صُومُوا تَصِحُّوا) [رواه ابن السني وأبو نعيم، وأشار السيوطي إلى حسنه].
إذ الصيام يريح الجهاز الهضمي، وفي استراحته إمداد له بالقوة والنشاط، ودفع للعطب والاختلال، كما أنه يطهر الأمعاء، ويصلح المعدة، وينظف البدن من الفضلات والرواسب والسموم، ويخفف من وطأة السمنة وثقل البطن بالشحم، ودلت التجربة والمشاهدة على أن الصوم نافع للبدن، وحافظ لصحته، وباعث على قوته، وأن التخمة وكثرة الأكل مفسدة له ومجلبة للأمراض والأسقام، وقد تفطن حكماء العرب لذلك منذ جاهليتهم، وفي ذلك يقول الحارث بن كلدة طبيب العرب: "المعدة بيت الداء، والحمية دواء لكل داء".
ومن فوائد الصوم العائدة على القلب: اكتسابه الصفاء والرقة، وأن من أجاع بطنه بالصوم فطن قلبه، وأن من شبع ومن قسا قلبه، وقد نقل عن لقمان الحكيم انه قال لابنه: "إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وفترت الأعضاء عن العبادة".
فالقلب هو محور الإنسان وقطب رحاه، وهو مصدر الصلاح أو الفساد فيه، وصلاح القلب إنما هو تربيته على الطاعة والصلة بالله عز وجل، وحفظه من موجبات الفساد، وصيانته من الغفلة، وحمايته من الغلطة والقسوة.
والصوم سبب عظيم موصل للتقوي؛ لما فيه قهر النفس وكبح جماحها وكسر شهواتها، وامتثال أمر الله واجتناب نهيه، ولأن الصائم مُقبل بكليته على الله مستثمر لخصال الخير وأعمال البر، فتكثر الطاعة ويزيد الإيمان في القلب.
ومن فوائد الصيام أنه يعوِّدُ الأمة على ضبط النفس والصبر، والصبر ثوابه الجنة، ويعوِّدُ الأمة أيضاً على النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، ويكوِّن في المؤمنين عاطفة الرحمة وخُلُق الإحسان، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
فالصيام جُنَّة وتُدخل الإنسان الجَنَّة من باب الريان، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يعيننا على قراءة القرآن حفظ الجوارح واللسان، وأن يدخلنا الجنان من باب الريان، إنه سميع مجيب.


الصيام جُنة، حفظ البدن، صوموا تصحوا، البدن، الفكر، القلب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع