مدونة د/ فاطمة عبدالله


لغة القرآن وتميزها على سائر لغات العالمين 3

د/فاطمة عبدالله | Dr. Fatma Abdallah


01/04/2021 القراءات: 1321  



قد جاء القرآن الكريم مُعجزا بلغته العربية العذبة، الجزلة، اليسيرة، البلغية التي ليس لأهلها ولا لأهل البلاغة أن يأتوا بمثله فكان هذا إعجاز النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ولذا كان هذا القرآن معجزة ومُعجِزا في ذاته بلغته العربية الرصينة الجزلة الفريدة التراكبيب والعبارات والمعاني.

ونستكمل معا مبحث من أهم مباحث القرآن الكريم وهو لغته وتراكبيه وألفاظه وكيف كان إعجازه في بلاغته وفصاحته وإيجازه وأنه ليس بنظم ولا نثر وأنه يعلى ولا يعلى عليه مشرق أعلاه مغدق أسفله، مثمر له حلاوة وعليه طلاوة.
واللغة القرآنية وتمايزها بمعنى إنفراد تراكيبها وإعجازها وإيجازها ولطائفها اللغوية.

ومن أهم وسائل تذوق وتدبرالألفاظ والتراكيب والتى بدورها تعيننا في تدبر القرآن الكريم عدة طرق منها :-

1- دراسة ومعرفة الغريب من القرأن: وذلك من خلال قراءة كتب الأولين وأمهات الكتب في اللغة والشعر وغيرها ذلك أن السياق يقوي ويوضح ويعلم المعاني في عقولنا بعكس المعاجم التي لن نتمكن من حفظها كلها بالطبع. فالقراءة تكسبك المعرفة.

2- - دراسة الإعراب والنحو.:- أن نعني بدراسة النحو وعلومه فقد كان أبو بكرالصديق رضى الله عنه يقول"أيها المسلمون أعربوا القرآن" وكان عمربن الخطاب يضرب ابنه على إعراب القرآن لا حفظه فقط. والبعض ممن يداوم على كتاب الله قد لا يجيد النحو وقواعده ولكنه لا يلحن وذلك تأثرا بمخالطته لكتاب الله. فكان هناك رجلا صينيا يعيش في مكة ومن كثرة قرائته للكتاب وتلاوته على المشايخ فإنه لا يلحن - أي ينشذ- أبدا والنحو أحد وسائل تعلم القرآن وإجادة اللغة العربية وأسسه أبو الأسود الدؤلي بتوجيه من علي بن أبي طالب.

3- معرفة دلائل الألفاظ والبلاغة:- وقد عني الأصوليون بدراسة فهم الخطاب ومحتوى الخطاب، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب وغيرها وأيضا بالمفاهيم مفهوم العدد، والموافقة، والمخالفة، والحصر والوصف وغيرها؛ حتى أن الشافعي كان مولعا بدراسة دقائق اللغة وكان حجة في اللغة فدرس في قبيلة هديد وهم أعلم الناس بلسان العرب وحتى أن البيهقي ألف كتاب "الاحتجاج بالشافعي" فكلام الشافعي في ذاته حجة في اللغة العربية. فالنحويون قالوا أن كلام العرب حجة إن كانوا من الأمصار حتى عام ١٠٠ هـ ومن أهل البوادي حتى عام ١٥٠ هـ.

4- كثرة السماع للقرآن تجعل اللغة ثرية وإهمالها يبعدنا عنها فلا نرى حينها إعجازها وبلاغتها حتى أن البعض يشعر أنه إذا استمع إلى رجل يلحن أحس أنه مضروب بالسياط. فيقال ترى الرجل فتعجبك هيئته، يتكلم فيلحن فيسقط من العين. وهناك من يستمع للقرآن كأنه يتبرك به دون إحساس لغوي أو تدبر قرآني به حتى أضحى لا يستسيغ معانيه ويتدبرها ويتعامل مع قرائته وورده على أنها ليست سوى مهام يومية أو للتبرك دون التوقف عندها وتدبر حكمتها والنيل من عظمتها.

5- التضلع في أساليب العرب: بحيث تحاول الإطلاع على تنوع أساليبهم الثرية المتنوعة المختلفة سواء كان في شعرهم، نثرهم ، خطاباتهم وخطبهم .

6- تعليم النشء والغرس اللغة في الطفولة في تربية الأولاد منذ الصغر، ليس فقط في المدارس أو المؤسسات المعنية بالتعليم النظامي، وإنما في بيت التعليم و التربية الأول للناشئة وهو البيت وكئلك دور العبادة فليس دورها فقط تلقين تعاليم الدين و إنما التربية قبل التعليم و الأدب قبل العلم والتوجية و الترسيخ للعقيدة و الآداب العامة و كافة العلوم.

7- أن نعني بتدبر لطائف القرآن وتراكيبه فكثيرا من الشعراء والعلماء حاولوا محاكاته مثل ابن المقفع والكندى إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا أما الباقلاني فقد أسرد كتابا كاملا في الإعجاز القرأني لغويا وقارن فيه قصيدة من عين عيون الشعر العربي "قفا نبكى" لامرؤ قيس فظهرت بجانب عظمة تراكيب القرآن ضعيف، هشة لا قوة فيها ولا جمال.

وبعد أن تناولنا محمل دراسة اللغة القرآنية من حيث اللغة العربية ذاتها ومن حيث اللغة القرآنية كتراكيب ومعاني وتطرقنا إلى وسائل دراساتها وفهمها وأيضا لقيمتها السامية .

فهل يمكن بعد كل ما تناولنا من سمات وصفات أن يقول البعض أن تكون هذه اللغة القرآنية من صنع البشر؟؟ لا والله هى لغة إعجازية بكل المقاييس. فالقرآن بتراكبية معجز، ومميز بكل المقاييس، فهو شارح يشرح نفسه بنفسه، بل ويسير، وفي نفس الوقت صعب التقليد، فريد من نوعه، وقد تحدى الله به في ذلك أن يأتوا بمثله. ولغته لغة حية تطرب لها النفس والقلب كما طرب لها أهل قريش حتى قبل أن يسلموا تتناغم حروفها وكلماتها وتتسق جملها ولها جرس مميز في النفس والسمع فقد كان المشركون يسترقون الاستماع للقران برغم إنكارهم لهذا الدين فقط لتلذذهم لروعة معانيه ولغته الجميلة وفي الوقت الذي هم فيه أهل اللغة وقادتها.

الخاتمة

لذا فالقرآن بمفرده من أعظم الأدلة على وجود الله لأن كلامه فوق قدرات البشر واستيعاب عقولهم. فيه جمال وعفة وبراءة وانتقاء وروعة وعظمة بيان وفصاحة وله ما ليس لغيره من تعبيرات غاية فالجمال والرقة والتهذيب والعذوبة حتى وإن تعرض للقضايا الحرجة صاغها بأكثر العبارات تهذيبا ورقة. والله ما منعنا عنه وعن الإغراق فيه والشعور به إلا عجمة ألسنتنا فهو روح ونور للقلوب فهو نور استضاءت به الدنيا. فالقرآن ينزعك من تفاصيلك الصغيرة وهمومك اليومية ويضعك أمام حقائق أكبر وأعمق كونية وغيبية وأبدية فلو نجحنا في التدبر الحق والإقبال على كتاب الله فقراءة واحدة صادقة كفيلة بفهم كل شيء وكما قال د/ فريد الإنصاري "أعطونى ختمة واحدة بتدبر أعطيكم مسلما حنيفا" فلابد لنا أن نفخر بهذه اللغة العظيمة أيما فخر ونعلمها لأولادنا. فالسر كل السر يكمن في الغرس، الغرس في النفوس، في العقول، وفي القلوب، في أولادنا، أجيالنا، أنفسنا، قلوبنا، أرواحنا؛ أن نغرس أشجار المعرفة والإيمان لتطرح ثمار العلم واليقين فنجني النبوغ والفوز بإذن الله عز وجل وعلا.

#فاطمة_عبدالله #موئليات


تدبر لغة قرآن علم لغة عربية فصحى الفصحى اللغة لغة القرآن اللغة القرآنية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع