مدونة عبدالحكيم الأنيس


حدثني الشيخ ابن التمين وأنشدني

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


15/04/2022 القراءات: 855  


عرفتُ في دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي (ثم انتقلنا معًا إلى دائرة الشؤون الإسلامية) عالمًا أديبًا شاعرًا فاضلًا من موريتانيا وهو الشيخ محمد عبدالله ابن التمين، وكنتُ في اللجنة التي قابلته حين تقدَّم للعمل، ودامتْ صحبتنا حتى عاد إلى بلده مختارًا برًّا بأبيه.
وفي تلك السنوات (1998-2013م) جرتْ بيننا مذاكرات، ومحاورات، وإفادات، ومناشدات كثيرة، وهذه طاقة منها:
***
أطلعني في (20/2/2000م) على كتاب "الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة" للمختار بن بونه الجكني الموريتاني، فرأيتُ عليه:
قال أبو حيّان:
إذا ‌رُمت ‌العلومَ بغير شيخٍ … ضللتَ عن الصراط المستقيمِ
وتلتبس الأمورُ عليك حتى … تصيرَ أضلَّ من تُوما الحكيمِ
وقال:
ألا إنَّ ‌تسهيل ‌الفوائد في النحوِ ... كتابٌ عزيزٌ كل نادرةٍ يحوي
هل الكتْبُ إلا أنجمٌ ‌هو ‌شمسُها ... سناهن يُمحى عنده أيما محوِ
***
وأفادني يوم الخميس (29) من ذي الحجة سنة (1427) قال: قل إذا خشيتَ من أحد عند مقابلته: خيرُك بين عينيك، وشرُّك تحت قدميك، وأستعينُ بالله عليك.
***
وأنشدني في (14/2/2007م):
لا أبالي إنْ تناهتْ ... أولَ الشهر فلوسي
كلما احتجتُ فلوسًا ... جئتُ للشيخ الأنيسِ
فقلت له ملاطفًا:
لا أبالي إنْ تناهى ... أولَ الشهر مُعيني
كلما استقضيتُ دَينًا ... جئت للشيخ التمينِ
***
وحدثني قال: حَدَّث الشيخ سيدي بن المختار... عن عمه الشيخ محمد الزايد بن محمد سالم ابن ألما اليَدَّالي حفظه الله والشيخ محمد سالم ابن عبدالودود المباركي اليعقوبي أنَّ محمد سالم ابن ألما (ت:1382) كتب شهادةً أو تزكيةً للشيخ محمد فال ابن المبارك الملقب الدَّدَّوْ فأمر المكتوبُ له بوضعها على وجهه ودفنِها معه.
وعند وفاته قال الشيخ عدود: الورقةُ تركةٌ، ونحن الأحياء أحقُّ بها وأكثرُ انتفاعًا، فلذلك نرجعُ عن تعهدنا له بتنفيذ وصيته؛ لأنَّ حقَّ الحي مقدمٌ على حق الميت.
***
وأنشدني للشيخ محمد بن أحمد يوره:
تكونُ لك الدنيا مواعظ كلها ... إذا أنتَ لم تحكمْ لها بظواهرِ
ومَن كان ذا لبٍّ فسيانِ عندَه ... صفوفُ البواكي واصطكاكُ المزامرِ
***
وحدثني أنَّ الشيخ محمد مولود بن أحمد فال الموسوي اليعقوبي ألَّف كتابًا عن الإنفاق وآدابه، وكان يقيم حينئذ بين أغنياء، فأخفاه عنهم، فلما عاد إلى مكانه بين الفقراء والطلاب أظهرَه وأقرأه، فسُئل عن ذلك فقال: لو أظهرتُه هناك لظنُّوا اني أطلب به منهم مالًا ودُنيا، وأمّا هنا فلا يرد هذا الظنّ.
***
ورأى معي هُمامًا ابن أخي الشيخ عبدالسميع يوم (17) شعبان (1432) فقال:
قد ساد بالخُلق الميمون همّامُ ... وهُو بالخيرِ والمعروفِ همّامُ
فيحفظ الله همّامًا ويرزقُه ... عزًّا ونال منى الأهلين همّامُ
***
وحدثني قال: حدثني بعضُ أبناء العم واسمه أحمد مولود بن محمد المصطفى -وكان في محضرة الشيخ أحمدو بن محمد فال، وهي محضرة علمية مباركة- أنه دخل المسجد سَحَرًا فرأى رجلًا شيبة متدثِّرًا بثوبه يهمهمُ فقال في نفسهِ: رجلٌ شيبة من المسلمين يدعو فلأقتربْ منه وأنلْ من بركة دعائه، فاقترب منه فإذا به يدمدم:
ويوم دخلتُ الخِدر خدرَ عنيزة ...
وإذا هو يراجع محفوظه في تلك الساعة!
قلتُ: لا شك أن له نية في ذلك. قال: نعم، الحفاظ على لغة القرآن.
***
وحدثني قال: أحضر السفير الدكتور المختار محمد موسى كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه إلى أبيه القاضي محمد عبدالله محمد موسى رحمه الله، فنظر فيه فوجده متحاملًا على أهل البيت فقال لابنه: أخرجه، لا يبيت معي.
***
وحدثني قال: اشتغلتُ بكتابة بحثٍ للتخرُّج في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في نواكشوط عام (1994م) عن الشيخ محمد عبدالله بن محمد مختار الموسوي: حياته وآثاره، فوجدتُّ صعوبة في جمع مادة البحث، وهممتُ بالعدول عنه ففاتحتُ الشيخ محمد عبدالحي بن سيدي محمد (حمَّ) الصعيدي -وهو شيخي الذي درستُ عليه- فقال لي: لا تتركْ، أحي ذكرَه عسى الله أنْ يقيض لك مَن يفعل بك كما فعلتَ به، فالجزاء مِن جنس العمل. فشرح اللهُ صدري للعمل وأتممته، ولله الحمد.
***
وحدثني قال: حدثني محمد الأمين بن سيد المختار اليعقوبي أن رجلين كانا يقرآن في نظم "كفاف المبتدي" لمحمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي فمرّا بقوله في سجود السهو:
وأدهِ لترك جهر السوره ... طوى وترك جهر الام مره
فقال أحدُهما للآخر: هل "طوى" بمعنى "مرتين" في "القاموس"؟ وبينما هما كذلك إذا بشخص مقبل فقال المسؤولُ منهما: إنْ صدق ظني يكن القادم الشيخ حمى الله اليعقوبي وهو القاموس -إذ كان يحفظه- فلنسأله. فسلما عليه وسألاه، فأطرق قليلًا ثم قال: لا، ليست فيه.
وحين ذهب قال السائلُ: رجل كان مسافرًا وأخذناه على عجل، فهل يُقبل منه هذا الجواب؟ فقال المسؤول: أما أنا فأقبله. ثم إنَّ الشاك راجعَ "تاج العروس" للزَّبيدي فوجدَه مما زاده على "القاموس". فتحقق صدقَ الشيخ حمى الله وحُسنَ حفظه.
***
وأنشدني للقاضي محمد بن بارك الله الديماني:
قد يَسمعُ المرءُ أشياءً تكلِّفه ... عكسَ الطباعِ وأشيا غيرَ ملفوظهْ
وليس عن ردِّها بالمثل يمنعُهُ ... شيءٌ ولكنْ حقوقُ الطبع محفوظهْ
***
وأنشدني مما يُقال للحفظ:
علينا من الرحمن سورٌ مدوّرُ ... وسورٌ من الجبّار لا يُتسورُ
وسورٌ من السبع المثاني وراءه ... ويا حي يا قيوم والله أكبرُ
نرى الشيءَ مما يُتقى فنخافه ... وما لا يُرى ممّا يقي اللهُ أكثرُ
أمام وخلف المرء مِن لطفِ ربهِ ... كوالىءُ تزوي عنه ما هو يَحذرُ
ورأيتُ الأخير في "فتح الباري" (1/173).
***
وأنشدني ممّا يُنشد في المحضرة الموريتانية للدلالة على طريق أخذ العلم:
كتْبٌ إجازةٌ وحفظُ الرسمِ ... قراءةٌ تدريسُ: أخذُ العلمِ
ومَن يُقدِّم رتبةً عن المحلْ ... من المراتب المرامَ لم ينلْ
***
وأنشدني:
‌وشيخُه ‌في ‌العلمِ بعد علمِ ... نيته شريكُه في الإثمِ
***
وأخبرني أنه قال في النوم:
حدَّثَ الشيخُ حديثًا رائقًا ... ذاتَ يومٍ وحديثًا حَسنا
***


فوائد علمية. شنقيط. آداب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع