مدونة خالد بن فتحي بن خالد الآغا


الفصل الاخير، أولويات البحث العلمي

خالد فتحي خالد الآغا | Khaled Fathi khaled Alagha


28/03/2021 القراءات: 3412   الملف المرفق



من الضروري إعادة تشكيل المنهج الذي يبني العقل والوعي بما يتفق مع المشروع والهدف، وإلا يقم البحث العلمي بهذا الدور ظلتْ المسيرةُ مضطربةً بين خُطّتي الإعنات والتفلت، وهما الخطتان اللتان نعيش آثارَهما إلى اليوم، ومن أخطر هذه الآثار فقدان الثقة بين جماهير الأمة والقيادة في الخطتين، في خطة الإعنات حيث قصرت آلة التقليد عن الاستجابة لمطالب التغيير، وفي خُطّة التفلّت من القواعد التي ضيعت الحزم والتدبير، وآل حالها إلى العجز والانقطاع عن المسير.
ما لم يتم إعادة تشكيل المنهج وبناء الوعي تشكيلا وبناء يتناسبان مع سَعَةِ المشروع وسُمُوِّ الهدف ستبقى في البحث العلمي مناطق تتقاطع مع تزييف الوعي، وهذا يبعثر الجهود ويُضعف الثمرة ويفتح المنافذ لمزيدٍ من التزييف وسرقة الجهودِ أو مصادرتها، وإذن فتحرير أرض البحث العلمي من هذه القيود على رأس أولويات البحث العلمي، لأن ذلك سيضمن سلامةَ الطريق ووضوحَ الهدف، وكذلك التطابقَ بين الوسطيةِ في الطرح والوسطية في الأداء بحسب ما تقتضيه المراحل، وهذا هو المطلوب لاستعادة الثقة بين جماهير الأمة والقيادة التي تنشد التغيير.
استثمارُ المُحَصَّلاتِ النهائية للبحث العلميّ أحدُ النتائج الهامّةِ لتحرير أرضية البحث العلمي من القيود، لأن المفترضَ أن تكون هذه المحصَّلاتُ خادمةً للمشروع الحضاري الإسلامي، فالأبحاث العلمية في جميع مجالاتها – وإن كانت تقدِّم خدمة للمجتمع الإنساني، وذلك من مقتضيات المشروع الحضاري الإسلامي – إلا أن هذا وحده لا يكفي، وليس هو نهايةَ المطلوب، بل المتعيِّنُ توظيف نتائج البحث في خدمة المشروع الحضاري في أطواره المختلفة، وعلى البحث العلمي أن يضع في أولوياته دراسةَ طرقِ تحقيق ذلك، وما هي المعيقاتُ دون تحقيقه سيان كانت من الداخل أو من الخارج، وما هي الحلولُ المقترحةُ لإزالتها، وما إهمال ذلك إلا كمثل من يُجهد نفسه في صناعة الدواء لمن يحتاج إليه ثم يتركه للعابثين، فلا ينتفع به محتاج ولا يَصِحُّ به سقيم.
من أولويات البحث العلمي أن يراعي في طرحه التفاعل والتوازن المطلوب بين مكونات الإنسان من عقل وروح وجسد باعتباره المكلَّف الرئيس بهذا المشروع، لأن هذا التفاعل والتوازن أصلٌ في بنية هذا المشروع على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، ومن ثم فلا بد من حل الإشكالات التي طرأت على التفاعل والتوازن المطلوب الناتجة عن أسباب تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية ومعرفية وغيرها من الأسباب التي أضعفت التفاعل واختل بها التوازن.
فالمشروع الإسلامي قائم على اعتبار الحياة وحدةً واحدة لا تتجزأ، فلا يمكن أن يقوم على مبادئَ دخيلة تفترض الحياةَ منقطعاً ما بين أجزائها من الصلات، أو على مبدأ يحسب حساب الصلة المادية فحسب، ودور البحث العلمي هنا أن يُجَلِّيَ هذه الوحدة، وأن يُظهر عمق ما بينَها من الصلة والترابط، وأن يظهر تميّزَ المشروع الإسلامي بهذا عن بقية المشاريع، وهذا يحتاج إلى خطة مُحكمَةٍ مبنية على عمق النظر، ودقة الفهم، وسعة الأفق، وقدرة على استقراء قواعد الإصلاح الكلية قائمة على تراكم الخبرات واتساع المعارف.
ولا بد في بناء المنهج وصناعة الوعي من الاتفاق على حد أدنى هو القدر المشترك الذي يقرره الإسلام لمشروعه الحضاري من الترابط بين مكونات العقل والروح والجسد في بنية الإنسان وبنية المجتمع وبنية الدولة، فبهذا القدر المشترك تُحلُّ مشكلةُ الثنائيات المتولدة عن ضعف التفاعل واختلال التوازن، وتتقرر على ضوئها طبيعة العلاقة بينها، بين الدين والثقافة، والدين والعلم، والدين والسياسة، والمادة والروح، ونحوها من الثنائيات التي تشكلت حولها منظومات فلسفية فكرية تغلغلت في جميع مناحي الحياة.
وبهذا القدر المشترك أيضا يمكن التخلص من آثار التخصُّصِ القافل الحاصلة من وُفودِ العلوم والمعارف إلينا مُشرَبةً بروح عقائد الأمم الأخرى وفلسفاتها وثقافاتها، فليست وحدةُ الحياة = مثلا- في ثقافة تلك الأمم كما هي في المشروع الحضاري الإسلامي، ومن ثم ستكون درجة الترابط بين مجالات تلك العلوم والمعارف، وبين أبعاض الحياة وأجزائها بحسب فلسفات الأمم وثقافاتها.
على البحثِ العلمي أن يضع في حسبانه بحث العلاقة بين الشرع وسائر أنواع العلوم والمعارف، ومسالكَ التطبيق العملي لأنواع تلك العلاقات، سواء في الدراسات النظرية والأكاديمية، أو في صناعة الفتوى وتنزيل الأحكام، أو في ضروب الممارسات في الحياة العملية، وأهم ما يتعين فيه ذلك، المجالاتُ التي تتعلق بالمصالح الكلية للأمة، ومصالح المشروع الإسلامي الكبير، وما يلزم على ذلك من مناهج صناعة القرارات وضمان تنفيذها، وهذه المسائل الكبرى لا يمكن إعطاؤها ما تستحقه إلا بتضافر جملة العلوم والمعارف مع قواعد الشرع ومقاصده، خاصة مع تداخل دروب الحياة وتشابكها، ومع كثرة المؤثرات التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في كل نازلة وحال، مع ما ينبغي من سرعة الاستجابة والتفاعل مع النوازل، استدراكا لعجلة الحياة المتسارعة، وإحرازا للريادة التي جعلت للقائم على المشروع شرعا وقدرا، وهذا لا يصلح معه الاكتفاء ببادئ النظر، ولا الاعتماد على الظواهر وحدها، ولا الاجتزاءُ ببعض العلوم والمعارف عن بعضها الآخر، ولا الاستغناءُ بصاحب تخصص وإن اتسعت معارِفُهُ، فلا يسع الفقيه المُجْتَهِدَ اليومَ - اجتهادا فرديا أو جماعيا- أن يظل في معزل عن العلوم والمعارف الإنسانية من تاريخ وسياسة وإدارة واجتماع واقتصاد وغير ذلك من العلوم التي يجمعها اسم (هندسة بناء الأمة والدولة)، ولا عن العلوم التطبيقية التي هي من أدوات هذه الهندسة الكبرى، وكما أن المتخصص في شيء من هذه العلوم والمعارف سيظل قاصرا عن توظيفها في خدمة المشروع الحضاري الإسلامي ما دام في معزل عن فهم قواعد الشرع وكلياته ومقاصده، فكذلك الفقيه المجتهدُ يظل قاصر الآلة ضعيف الأثر ما دام في معزل عن فهم قواعد هذه العلوم وإدراك كلياتها، قاصر اليد عن توظيفها في الخطط العمرانية لمراحل المشروع الكبير.

لإكمال الموضوع يمكنكم تحميل البحث كاملا بجميع أجزاءه بصيغة (بدي إف) من الملف المرفق


الوعي، المنهج، المشروع، البحث العلمي، أولويات البحث العلمي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


وفقك الله وسدد خطاك على هذا المقال الرائع وكما عودتنا دائما تكتب لنا كل جميل ومفيد فجزاك الله خير الجزاء


جزاك الله خيرا على المقال المفيد المُتقن