مدونة د. طه أحمد الزيدي


المستثمرون في رمضان (الاستثمار في الآخرة أصل)

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


08/04/2022 القراءات: 1361  


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد: فقد كثر تداول مصطلح الاستثمار والمستثمرين فيما يتعلق بالتجارة في الدنيا، وكذلك عبارة (الحياة فرص)، وهو أمر مباح مستحسن ما دام يتمتع بالضوابط الشرعية، ومعنى الاستثمار: النماء وطلب الزيادة واستغلال الطاقات المتاحة للإنسان وتوظيفها لتحقيق منفعة أكبر، وعند أهل الاقتصاد: هو تأخير الحصول على منفعة آنية من أجل تحصيل منفعة مستقبلية أكبر.
والشريعة الاسلامية مثلما حثت على الاستثمار لأجل إعمار الارض وتحقيق الرزق الحلال، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) (البقرة)، الا أنها تميزت بتقسيمه الى: مادي ومعنوي- دنيوي وآخروي، وبذلك يرتقي الاسلام بالاستثمار ليتجاوز المنظور المادي وتحقيق الرفاهية بإشباع متطلبات الجسد، إلى تحقيق متطلبات الروح ورغائب العقل بتحقيق الاستقرار النفسي للإنسان عبر الموازنة المتكاملة بين متطلباته المادية والروحية.
والاستثمار حتى يحقق مقصده ونجاحه ينبغي أن تتوفر له: بيئة آمنة وتسهيلات رسمية لإنجاز مشاريعه، وصدق الاطراف وفائدة المشروع المستثمر فيه، وسعة مردوده، وكذلك اغتنام المواسم المناسبة لنوعية الاستثمار.
وحديثنا يدور بشأن استثمار يغفل عنه كثير، مع قيام موسمه الا وهو الاستثمار مع الله تعالى في موسم رمضان، أو الاستثمار في الاخرة هو الأصل: لذا ينبغي على المسلم أن يحرص على الاستثمار في تجارة لن تبور، ويقدمه على الاستثمار في الدنيا لأنه محدود منقطع واستثمار الاخرة ممدود متسع ، قال تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) (القيامة)، وقال تعالى: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) (غافر)، وقال تعالى في مشهد توجيه من يحرص على الاستثمار الدنيوي على حساب الآخروي: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) (القصص)، ولذلك بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الدنيا بما فيها هي محطة عابرة قصيرة لا ينبغي الركون إليها وانما هي جسر عابر للآخرة: قال عليه الصلاة والسلام: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) رواه البخاري، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً، وَالْآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ) رواه البخاري.
فالتجارة الحقيقية هي تجارة الآخرة والاستثمار الحقيقي هو استثمار مع الله تعالى طلبا لزيادة رصيد الحسنات، واغتنام فرص الارتقاء بالدرجات، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) (فاطر)، وشهر رمضان المبارك من أعظم المواسم التي تتزايد فيها فرص الاستثمار مع الله تعالى، وحتى يكون استثمارك فيه ناجحا ومتفوقا، ينبغي مراعاة الآتي:
-إن موسم رمضان محدود قصير فينبغي علينا فيه عدم التقصير، قال تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة).
-الاستثمار الناجح في رمضان يكون بالحرص على زيادة ما لديك من رأس مال في الطاعات، فإن فعلت مثلما كنت تفعل فلست بمستثمر وإنما تحافظ على رأس مال الطاعات والقربات، لذا عليك أن تسعى لزيادة أرباحك في شهر رمضان، من خلال الاضافة النوعية للقربات بأن تزيد من كمية الطاعات السابقة، أو تأتي بطاعات جديدة لم تكن موجودة أصلا في سجلاتك مع الله تعالى.
-احرص على ان تغادر موقعك السابق في مقامات القرب من الله تعالى لترتقي باستثماراتك مع الله تعالى في رمضان ، وضع نصب عينيك هذين السؤالين: أين كنت؟ وأين تريد أن تكون؟ وبعد رمضان ضع اجابتك: أين بلغت ؟ وكم ارتقيت؟.
-الاستثمار يتطلب همة عالية ، لأنه ميدان تنافس محمود، ومسارعة لتحصيل المقصود ببذل غاية المجهود، قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) (الحديد)، ونتيجته: (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)(المطففين) ، وأحذر أن تنظر الى من دونك في سوق الاستثمار فتضعف الهمة وترضى بالقليل، وإنما نافس الأقوى، وتطلع إلى من هو أكثر منك استثمارا، وأفضل منك عطاءً؛ لتكون من السابقين المقربين المتقدمين، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) (النساء).
-احذر المثبطات في شهر رمضان المشغلات عن الطاعات المفرطات بالطاقات، المشتتات للإمكانيات، ابتعد عن رفقة السوء، وجوال السوء، وفضائيات السوء، وبيئة السوء، فمن اراد الاستثمار والارتقاء فليهجر موارد السوء، وجاء في حديث توبة الذي قتل تسعة وتسعين نفسا: " انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ) رواه مسلم.


الاستثمار في رمضان- المستثمرون- استثمار الاخرة- الاستثمار مع الله- رمضان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


جزاكم الله خيرا كثيرا.


احسنت على هذا النصح والتذكير


اشكركم نسأل الله القبول والنفع وشكرا لمنصة اريد التي فتحت افاقا امام الباحثين لنشر افكارهم