مدونة د. محمد ناجي عطية


الإدارة في الأمثال الشعبية - "ما حكًّ لي مثل ظفري" (1)

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


16/02/2022 القراءات: 1678  


الإدارة في الأمثال الشعبية - "ما حكًّ لي مثل ظفري" (1) بقلم د. محمد ناجي عطية

الأمثال الشعبية موروث متداول بين الشعوب به أداروا أمورهم وقد تواصوا به جيلا بعد جيل شمل مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها . وحينما لم تكن الوسائل الإدارية للتدوين متاحة في تلك الازمان كم هي هي عليه الآن ، فقد توارثها الآباء عن الأبناء حتى صارت محفورة في ذاكرت الشعوب، والعجيب ان الكثير من تلك الامثال متداولة بين الشعوب ولا تختص بشعب دون آخر. في هذه السلسلة نتناول الجوانب الإدارية في الامثال الشعبية ، نحرص على انتقاء المثل الذي يحمل فائدة إدارية ويكون مفهوما لدى القارئ العربي. ونفتتح السلسلة بالمثل المعروف : " ما حكَّ لي غير ظفري".

هذا مثل عربي مشهور وفيه يُحكى عن الإمام الشافعي أنه كانت له أبيات يقول فيها :
ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتولَّ أنت جميع أمرك
وإذا قصـدت لـحاجــــة.. فاقصــد لمعترفٍ بقـدرك

وتوجد إضافة للمثل عند بعض محافظات جنوب اليمن تقول: ( ولا نفعني بَنْ الناس)

ألفاظ المثل:

جاء في في بعض معاجم اللغة حكَّ جلده فركه بأظافره ، والحكَّ هي لفظة تستخدم للتعبير عن هرش الجلد عند الشعور بالحاجة لذلك.

ما حك: معناها لن يحك.
البَنْ يعني الابن

معنى المثل:

مهما حرص الإنسان واجتهد في أن تقع يده على المكان الذي يريد أن يصل إليه من أجل ان يحكَّ فلن يستطيع في الغالب، ونادرا ما يتحقق ذلك، وهذا أمر مجرب، فمهما حاول الغير أن يحك (ظهرك) لن يستطيع ذلك بنفس الكفاءة التي تصل إليها أنت بظفرك إذا قدرت.

والمثل يؤكد أنه لا ينفع الوالد مثل ولده، فقد يشفق الآخرون على والديك لكن هذا الإشفاق مهما كان يضل مؤقتا وقاصرا، ويصعب على هذا المشفق الاستمرار في تقديم النفع لهما نيابة عنك، لأن هذا المشفق غالبا ما يعتريه الملل، بينما الولد ينفع أبيه وأمه دينا وعبادة، ويرى أن ذلك واجبا مقدسا عليه.


الدلالة الإدارية:

يدل المثل على أنه لا يمكن أن ينجز لك عملك بشكل تام وكفاءة عالية وأمانة ومصداقية، مثل من تثق به سواء كان من مقربيك (الأكْفَاء) أو من الآخرين ممن تعبت في تربيتهم وعاشرتهم طويلا، حتى تشبعوا بالقيم التي تحملها، وتفانوا في خدمتك أو في خدمة مؤسستك، وأن محاولة إسناد العمل إلى غير هذين الصنفين، إنما هو هدر للوقت وضياع للعمل.

وقد يُفهم المثل بطريقة معكوسة، من قبل البعض، مما يؤدي هذا الفهم المعكوس إلى كوارث كبيرة، وأخطار جسيمة، ذلك هو إفراط بعض المدراء في استخدام المقربين وإيثارهم على غيرهم، وربما يكون بعض الغير أكفأ من القريب.

والأخطر أن هذا المدير قد يكون مسئولا في مرفق عام، فيخول نفسه صلاحية التصرف بكل شيء دون مراعاة التخصصات الإدارية، وهو بذلك يستأنس بالمثل: (ما حك لي غير ظفري)، وهذا فهم مغلوط يبدأ معه الانحراف الإداري، الذي هو نواة الفساد الإداري.

من الصور التطبيقية للمثل أن يؤخَر الأكفاء من غير الأقارب، ويقدم الأقارب ولو كانوا غير مؤهلين، مع الإعراض التام أو الجزئي عن اللوائح والأنظمة أو التحايل عليها.

والنصيحة:

يجب الحذر من استخدام المثل استخداما خاطئا ، وعلينا أن نعتمد مبدأ الكفاءة في تعيين الأشخاص وترقياتهم، ولا ننظر إلى معيار الأقربين ألا في ضمن شروط محددة منها :

-أن تكون لديهم الكفاءة اللازمة لكي ينهضوا بأعباء العمل
-ألا يكون غيرهم أفضل في أداء عمله، خاصة في المرافق العامة.
-ألا يكون على حساب مستحقي الأولوية في الترقية
-ألا يكون مخالفا للوائح والأنظمة المعمول بها
-ألا يقصد بذلك (وراثة المؤسسة) كابرا عن كابر، خاصة وهي ملك للمجتمع في المؤسسات العامة.

وقد يستثنى من ذلك المؤسسات الخاصة والأهلية، فلا يوجد مانع من ذلك، لكن من حيث المبدأ الكفاءة أولا لتحقيق التميز والنجاح.

ملاحظة مهمة:

ينتقد بعض العرب من كتاب الإدارة، استخدام هذا المثل بحجة أنه يمثل قتلا لمبدأ التفويض والإدارة بالأهداف الذي تعد من مبادئ الإدارة الحديثة.

فيقولون أن المثل يشجع على حرص المدراء على تنفيذ أعمالهم بأنفسهم، كما يحكون جلودهم بأظافرهم، وأنهم لا يسمحون لغيرهم بأداء الأعمال خشية التقصير أو التفريط، فيضل العمال عمالا والأتباع أتباعا، ويمكثون زمنا مبعدون عن تفاصيل العمل وحقائقه، فلا يستطيعون عمل شيء في حال غياب المدير أو مرضه أو انتقاله أو حتى موته. وحينما تسأل هؤلاء المتنفذين يقولون لك، دعهم فان المثل يقول: (ما حك لي غير ظفري).

وفي هذه الحالة نحن نؤيد كتاب الإدارة، لكن إذا استخدم مبدأ التفويض بكفاءة ووظفنا الأكفاء من المقربين أو من غيرهم وفقا للشروط المشروحة أعلاه، حينها لا باس من العمل بهذا المثل الرائع ( ما حك لي غير ظفري).

ودمتم سالمين

المزيد من الامثال في المدونة الخاصة
https://drmnatiah.com/


مبادئ الإدارة - الامثال الشعبية - الإدارة في الأمثال الشعبية - التفويض -التفويض الإداري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع