مدونة د. ميثاق صادق محمود هزاع المليكي


مقصد خصوصية المغفرة الربانية في العشر الوسطى من رمضان المبارك

د.ميثاق صادق المليكي | Dr.Methaq sadeq Almuliki


05/05/2020 القراءات: 5004  


الحمد لله ... بعد أن تُكلمَ في مدونة سابقة عن مقصد خصوصية الرحمة الربانية في العشر الأولى من رمضان وبُرزَ إن المقصود من طلب رحمة الله هو الحصول عليها للتهيئة والاستعداد للمغفرة، فلا يمكن عقلاً أن يغفر الله لعباده ويعتقهم من النار قبل أن يرحمهم، فجُعلتْ الرحمة في أول رمضان وها نحن الآن في رحاب العشر الوسطى، شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فكان لزاما الحديث عن مقصد خصوصية المغفرة من منطلق قوله صلى الله عليه وسلم (وأوسطه مغفرة) لكي يبرز لنا معنى المغفرة الربانية في شريعة النبي محمد صلى عليه وسلم وفي شريعة الأنبياء السابقين وأيضا لكي يتضح المقصود من خصوصيتها في العشر الوسطى من رمضان وينجلي للعبد التعامل مع كلمة ( استغفر الله العظيم ) في عبادته وذكره فكلمة (استغفر الله) في العربية مأخوذة من كلمة غَفَر أي غطا وصان وستر.
فعندما يقول العبد: (أستغفر الله العظيم) يظن البعض وللأسف أنه قد محيت وأزيلت ذنوبه وسيئاته، فالله قادر على إزالتها، فهي فقط مستورة وعليها غطاء تهيئةً للحصول على العتق والعفو فهو المقصود المطلق...بل المعنى الحقيقي لكلمة (استغفر الله العظيم) أسأله الستر في الدنيا والأخرة والصون من النار
ولو نظرنا إلى الشرائع السابقة لوجدنا أن الاستغفار المقصود منه السترة والغطاء يقول الله عن نوح عليه السلام ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ نوح: 10 أي ستار ويقول عن إبراهيم عليه السلام ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ الشعراء: 82 يغفر أي يستر ويغطي.
كذلك في شريعته صلى لله عليه وسلم فقد كان (يستغفر الله في اليوم مائة مرة وقيل سبعين مرة) الترمذي، أي يطلب الستر من الله
فما القصد من استغفاره صلى الله عليه وسلم؟ مع أنه معصوم من الذنوب، وقد غفرت له ذنوبه ما تُقدم منها وما تأخر لا ريب أن القصد من ذلك هو تعليم الأمة المحمدية بالاستمرار والمداومة بطلب المغفرة من الله سواء في رمضان أو غيره... وخُصَّ الاستغفارَ بالعشر الوسطى إلا لأنه يعلم أن الله خلق الإنسان ضعيفا ومركب من شهوات تؤدي به إلى المعاصي فهو صلى الله عليه وسلم يحب أن تكون أمته مغفور لها.
لماذا إذا جاء معنى كلمة (استغفر الله العظيم) بالشرائع السابقة وبشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى أطلب الستر والتغطية للذنوب في الدنيا والآخرة؟ لأن أشد العذاب الذي يتلقاه المسلم يوم القيامة هو عندما تعرض وتكشف ذنوبه أمام الله والخلائق، فيتصبب عرقا من شدة الخجل والحياء أمام المولى عز وجل فبعضهم يتمنى أن يدخل جهنم ولا تكشف ذنوبه أمام الله والخلائق حياءً من الله وبعضهم تتساقط لحوم وجوههم من شدة الحياة.
إذا كيف يستطيع العبد الحصول على ستر الله في الدنيا والأخرة والصون من النار؟؟ لن يكون ذلك إلا بالاستغفار المتْبع بالتوبة والندم، وبالتأمل والتذكر للمعاصي التي كان يفعلها بالدنيا... فلابد للعبد عند الجلوس للاستغفار أن يستشعر عظمة الله عزوجل، ومن ثم يحاول أن يسترجع الذنوب التي فعلها في ذاكرته حتى تنزل رحمة الله عليه ويستغفر الله برغبة ونية صالحة، فإذا كان العبد يقول استغفر الله العظيم، وقلبه وعقله مشغول بالدنيا يحرك لسانه! وهو لا يعلم ماذا يقول؟ ولا يعرف ما القصد من كلمة استغفر الله!، ولا يعرف كيف يتعامل مع الاستغفار ...!!
فها هو سبحانه وتعالى تعامل مع عبادة وسمى نفسه بالغفور (أي غفور للذنوب الكثيرة) وذُكر الغفور واحد وتسعين مرة بالقرآن، وسمى نفسه بالغافر (أي غافر للذنب الواحد) وذُكر غافر في القرآن خمس مرات، وسمى نفسه بالغفَّار (أي غفَّار للذنوب الكبيرة) وذكر في القرآن مرة واحدة.
فما القصد من تكرار الله عز وجل لهذه الأسماء وهي تدل على معنى واحد وهو المغفرة؟
القصد الأول: يريد أن يُطمئن ويُعلم عباده أنه من فعل الذنوب الكثيرة فليدعوه بالغفور ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر: 53 ومن أذنب ذنبا واحدا فليدعوه بالغافر ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ غافر: 3 ومن أذنب بذنوب عظيمة كالزنا وشرب الخمر فليدعوه بالغفَّار ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ طه 82
القصد الثاني: ليعلِّم عباده أن مغفرته لا حدود ولا نهاية لها.
وبعد بروز القصد من الاستغفار في شريعة الأنبياء السابقين وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم يتوجب العبد أن يزيل الشك من فكره وقلبه ويقبل على الله بالاستغفار، ولو في اليوم مائة مرة... عملا بالسنة فكان يستغفر من عصم من الذنوب والسيئات مائة مرة ... لكن نحن كما أعتقد نحتاج في اليوم الواحد إلى مائة الآلاف من الاستغفارات، عسى ولعل تكون واحدة من هذه المرات بنية صادقة يقبلها الله تعالى ويستر فيها العبد في الدنيا والأخرة ويصونه من النار، غفر الله لي ولكم وسترني وستركم من النار إنه على كل شيء قدير ... والسلام عليكم ورحمة الله والحمدالله رب العالمين ...


المقاصد / الخصوص / المغفرة / رمضان المبارك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع