مدونة خالد حمادي


الهوية الرقمية بين الإغتراب الثقافي والشتات الهجين لألات الميديا الجديدة..أي دور للتربية الإعلامية؟

خالد حمادي | Khaled Hammadi


21/03/2022 القراءات: 1504  


يشهد عالم التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي اليوم، تطورات رهيبة، وزخم معلوماتي ضخم، وضع العالم في رهان حقيقي، وتسابق بحثي معمق، من أجل إيجاد البدائل التي تساهم في ترقية حياة الفرد، وتطوير المجتمعات، في ظل تعدد الثقافات والهويات، هذا الأمر الذي سمح بظهور مفاهيم وأنساق جديدة في عصر الإعلام الرقمي، حيث شكلت نقطة لتجاذبات وإشكاليات عديدة حول المواطنة الرقمية، وعلاقتها بالهوية الثقافية والاجتماعية، وفي ظل تعدد الوسائط الإعلامية، وتنوع محتواها وجمهورها، إضافة إلى الكثافة المعلوماتية، والتفاعلية، التي خلقت نوعا من التمازج بين هذه المصطلحات.
لقد عرفت الإنسانية، توجهات جديدة، وأليات مستحدثة في سبيل التواصل والدخول إلى عالم الرقمنة، وذلك محاولة للتعريف بالهوية، وتحقيق الذات، في الصراع مع مختلف المجتمعات العالمية، كما أن دخول المواطنة الإفتراضية في هذا الصياغ الجديد، أعطى نظرة مختلفة لما هو قادم في المستقبل القريب، في تشكل نوع جديد من الأفراد والمجموعات، ذات بناءات متشابكة وأهداف مختلفة تحكمها منصات رقمية كل لها خصائصها ومزياها.
لقد أصبحنا اليوم أمام ما ندعوه بالمجتمع الرقمي، والمواطنة الرقمية، والفرد الرقمي، فضاء إلكتروني واسع المداخل والإتجاهات، تتعدد فيه الهويات، وتتداخل القيم، وتتهاوى الخصوصيات، وتتعدد التفسيرات، وتنبثق حقوق وواجبات جديدة تضع الهوية بمفهومها التقليدي في موقف التجديد والعصرنة، كغيرها من جوانب الحياة المختلفة.
ساهمت الميديا الجديدة فعلا، في صنع توجهات جديدة وأكثر تشاركية وحداثة، وقد غيرت المفاهيم الإعلامية القائمة على مبدأ التوجه الواحد، والموحد، في دعم القيم الإنسانية ، وهذا التوجه الجديد في حد ذاته يشكل تحديا كبيرا لكل مستخدمي هذه الوسائط الجديدة، الذي أصبحت تستخدم فيه معلومات وبيانات ضخمة، ليس من السهل التحكم فيها، أو حتى ضبطها في قوالب معينة بما يحقق التواصل الإعلامي والثقافي الرقمي الأمن، والقيمي بين المجتمعات الرقمية، وهذا ما يحاول الجميع الوصول إلية مستقبلا، من خلال وضع الخطط والأطر الإستراتيجية الصحيحة، لمحاولة تطوير الثقافة الرقمية الإعلامية، وتوحيد مفاهيمها، بالرغم من وجود أكثر من وسيط إعلامي تعتمد عليه الجماهير الرقمية في صناعة ثقافاتها المختلفة.
إن البحث عن بديل لهذه الأزمة القيمية التي تعصف بهوية المجتمعات العربية ، وفي ظل بروز مفاهيم جديدة للمواطنة الرقمية يتطلب الحديث عن مجموعة من الخطط والإستراتجيات، التي يكون لها الأثر في إعطاء معنی لهذه الجدلية والتي غالبا ماصنعت مضامين ومفاهيم وإتجاهات عديدة خلال كل مراحل الصناعة الثقافية والتي إرتبطت أساسا بظواهر رقمية وميدياتيكية ذات ديناميكية متسارعة وتفاعلية تواصلية فرضتها وسائط الميديا الجديدة في مختلف مجالات الحياة والتي أصبحت نقطة جوهرية يرتكز عليها في دراسة متغيراتها وعلاقتها بكل البناءات الاجتماعية، و خصوصا البعد الإنساني القيمي المحتفي باحترام الهوية والانتماء والمواطنة، حتى وإن كانوا لهيمنة هذه الميديا الجديدة بمختلف فواعلها.
يكمن مشكل المواطنة الرقمية والصناعة الثقافية العربية في غياب التوجه نحو تكوين ثقافات مرقمنة تخضع لكل الرقابة المجتمعية والتكنولوجية والقانونية والتعليمية والإعلامية وكل مايتصل بها، ولكي يتم تجاوز هذه الإشكالات والتحديات، يتوجب أن تستثمر هذه الثقافة طاقاتها كلها لولوج المشاركة العالمية الإبداعية. فالعولمة تسعى إلى السيطرة عن طريق فرض نمط حضاري واحد من خلال التسويق لصورة إعلامية منمطة للأفراد والمجتمع. ولهذا، فإن تحقيق الذات، وتأكيد الهوية، والبحث عن النسق القيمي الذي يكفل بتكوين أطر صحيحة ونموذجية للمواطنة الرقمية كل هذا رهین بإعادة خلق الواقع، بإعطاء الاهتمام للفرد العربي، ولبعده القيمي، والاهتمام بالفكر والثقافة، وكذا محاولة المؤسسات ومختلف المنظمات والشرائح المجتمعية تبني مفهوم الرقمنة في تجسيد مفهوم المواطنة والتربية الإعلامية القيمية المبنية على الدين الإسلامي والهوية واللغة، وكل مبادئ الثقافة العربية السمحاء بعيدا عن الإغتراب الثقافي والشتات الهجين الذي صنعته ألات الميديا الجديدة ضمن هذا الفضاء السيبراني العام، وبالتالي لابد علينا ان نسير نحو صناعة ثقافتنا الرقمية وتوطيد مفهوم المواطنة الإفتراضية تحت راية البعد القيمي للبيئة والمجتمع العربي في كل أصوله ومراحله التاريخية وحتى في بيئته الرقمية الجديدة المتسارعة المتغيرة.
إن البعد القيمي للهوية العربية في عصر الميديا الجديدة يشهد العديد التطورات والتجاذبات والتشابكات بين مختلف البناءات وكذا التنوع المفاهيمي والفكري وتشذر العديد من الإتجاهات والأدوات والوسائل التي تبنى عليها القيم الإجتماعية، والبعد الكبير والجديد الذي منحته وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الميديا الجديدة في نمذجة هويات ثقافية بقوالب متجددة ، و بصغبة رقمية لازلت ما بين القبول والرفض من مجتمع لأخر ومن ثقافة لثقافة أخرى ومن وسيط إعلامي لأخر، هذا الأمر كان له تأثير كبير خصوصا في البيئة العربية والإسلامية لما أحدثه من إستمالات ونقاشات إجتماعية وافتراضية حول ماهيتها وكيفية قولبتها في الصياغ المجتمعي وفق المبادئ والقيم الإيجابية وتجاوز القيم السلبية وفق ما تقتضيه الضرورة والأحكام المرجعية الدينية والقانونية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها من الجوانب الأخرى المكملة لهذا البعد القيمي.
ساهمت المواطنة الرقمية في طرح عدة إشكاليات نظرية وبحثية، ومن ناحية تطوير هذا المفهوم خصوصا أنه مرتبط بوسائل رقمية متعددة ومتنوعة لكل منها لها خصائصها ومميزاتها وجمهورها وبدائلها التكنولوجية ودرجة أمانها السيبراني كون أن هذا الفضاء الرقمي أكثر تشاركية واستقطابا للثقافات والهويات الرقمية، وفي عالم شبكي أصبحت تنتج فيه هويات مزيفة بعيدا عن الواقع الفعلي وهذه البيئة الجديدة أصبحت تطرح تساؤل مهم وهو كيف نعالج مفهوم المواطنة الرقمية في ظل تنوع التطبيقات،وزخم البيانات الجماهيرية؟.


الهوية الرقمية ، الإغتراب الثقافي ،الشتات، الميديا الجديدة، التربية الإعلامية،الحتمية القيمية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع