رفع دعوى الشفعة على البائع، والشفعة للجوار
سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI
20/10/2022 القراءات: 860 الملف المرفق
عُرضت عليّ دعوى عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بسمائل بسلطنة عمان، كانت المطالبة فيها بالشفعة، فكان الحكم - بفضل الله تعالى - نتاج بحثٍ في مدى صلاحية رفع الدعوى ضدّ البائع والإسكان، وفي الشفعة بالجوار، وفي الشفعة بسبب الطريق، والخلاصة فيما يتعلق بالأمر الأول أنّ "مؤدّى الشفعة حال ثبوتها هو انتزاع ملك المشتري للعقار المشفوع فيه وتمليكه للشفيع، وقد جرت مبادئ المحكمة العليا على "أن الصحيح الذي جرى عليه العمل في المحاكم هو عدم اختصام البائع في قضايا الشفعة؛ لانقطاع حق البائع من الشيء المبيع بسبب خروجه من يده بموجب صفقة البيع فيه واستلام الثمن المتفق عليه وصيرورة انتقال ملكيته للمشتري وفي ضمانه"، (ينظر المبدأ رقم (12) س ق (6) في الطعن رقم 147/2005م مدني عليا)، وعليه يكون المدعى عليه الأول (البائع) غير ذي صفة، كما أنّ المدعى عليها الثالثة (الإسكان) هي جهة إدارية تلتزم بنقل سندات الملكية وفق ما تقتضيه النظم المعمول بها والأوامر الصادرة من المحكمة تنفيذاً للأحكام القضائية، وليست بذات صفة في النزاعات بين الأشخاص"، وعليه قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى في مواجهة المدعى عليهما الأول والثالثة، وفيما يتعلق بالأمرين الثاني والثالث: "من المعلوم فقها أنّ الشفعة هي تملّك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما مُلِّك بعوض، وعرّفتها المادة (903) من قانون المعاملات المدنية أنّها: "حق تملك المبيع أو بعضه الذي تجري فيه الشفعة جبراً على المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات"، ومن المعلوم أنّ لها أركاناً وهي الشفيع وهو المطالِب بالشفعة، والمشفوع عليه وهو المشتري، والمشفوع فيه وهو المبيع الذي يريد الشفيع تملّكه بالشفعة، والمشفوع به وهو العقار الذي بسببه تُطلب الشفعة، ولكلٍّ منها شروط، ومن المقرّر أنّ للشفعة أسباباً، وقد اختلف أهل العلم فيها؛ فالجمهور على أنّ الشفعة إنّما تكون للشريك فقط، واستدلوا بما ثبت عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا شفعة إلا لشريك"، وبحديث جابر: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، وذهب الحنفية إلى أنّ الشفعة تكون للشريك وتكون للجار بهذا الترتيب الخليط في نفس المبيع ثم للخليط في حق المبيع كالشرب والطريق ثم للجار، واستدلوا بأحاديث منها حديث: "الجار أحقّ بسقبه" و"جار الدار أحقّ بالدار" ونحوها، والمحكمة ترتضي القول بأن لا شفعة للجار؛ لحديث ابن عباس، وحديث جابر وإن اختلف أهل الحديث في العبارة "فإذا وقعت الحدود ..... فلا شفعة"؛ هل هي مرفوعة من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو موقوفة من قول جابر؟ كما في "علل الحديث" لابن أبي حاتم؛ إذ النص "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لم يقسم" صريح بأنّ الشفعة تثبت للشريك ما لم يقاسم، فمفهوم المخالفة أنّه إن قاسم فلا شفعة له، ولكون الشفعة إنّما هي استثناء من الأصل الذي يقضي بأن لا يخرج ملك أحد من يده إلا برضاه وأنّ من اشترى شيئاً فلا يخرج من يده إلا برضاه، فجاء الدليل مستثنياً الشريك من ذلك للضرر الذي يلحقه من دخول أجنبي عليه في ملكه، وفي إيجابها للجار ضرر على صاحب الملك؛ إذ يٌقعده ذلك عن التصرف في ملكه حتى يبذل له الجار أبخس الثمن لعلمه بأنّ غيره لا يقدم على الشراء مع علمه بشفعته، وما استدلّ به الآخرون من الأحاديث إما فيه مقال لأهل الصناعة الحديثية أو مؤول بما يتوافق مع الحديث المذكور كالتأويل بأنّ ذلك في حقّ الجار من الإحسان أو أنّه الجار المخالط وهو الشريك في ملك أو حقّ وليس الجار الملاصق، ففيها الاحتمال في المعنى، وما يدخله الاحتمال يسقط به الاستدلال، فكيف لو عارض ما هو أقوى منه في الموضوع، وعلى نحو هذا جرى المبدأ الصادر من الهيئة العامة لتوحيد المبادئ بالمحكمة العليا (طعن 280/2005م، بجلسة 17/5/2006م) حيث نصّ على أن "لا شفعة إلا لشريك في أصل العقار أو خليط في حق الارتفاق للعقار، ولا شفعة بمجرد الجوار إلا بالخلطة"، ثمّ على نحو هذا جرى قانون المعاملات المدنية طبقاً للمادة (904) التي نصّت على أنّه: "يثبت الحق في الشفعة: 1-للشريك في نفس المبيع، 2-للخليط في حق المبيع"، فلما كان ذلك وكان الثابت أنّ طلب المدعي للشفعة هو في الأرض التي باعها المدعى عليه الأول للمدعى عليه الثاني ذات الرقم (...) المشار إليها، وكان المدعي يتمسك في طلب الشفعة بسببين؛ الأول: الجوار، والثاني: الطرق بين قطع الأراضي المشار إليها، فأما السبب الأول فهو ليس بسبب موجب للشفعة على ما سلف تقريره، وقد أفاد الطرفان أنّ الأرض المشفوع فيها والأرض ذات الرقم (...) المشفوع بها المجاورة لها، هما أرضان فضاء، فلا يُتصوّر فيهما شركة في شيء من حقوق الارتفاق، وسيأتي البحث في الطرق، أما السبب الثاني وهو الطرق، فالظاهر من الرسم المساحي للأرض المشفوع فيها أنّها أرض يحدها من ثلاث جهات طرق، وهي طرق نافذة ليست منقطعة، وعامة ليست خاصة بأصحاب الأراضي، فالطرق ليست موجبة للشفعة، وعلى ما ذُكر لا يثبت سبب من أسباب الشفعة التي يدّعيها المدعي، وعليه قضت المحكمة برفض الدعوى، ويمكنك -أخي الكريم - الاطلاع على تفاصيل الحكم من خلال المف المرفق إعلاه.
حكم قضائي، الشفعة، البائع، الجوار، ارتفاق، عدم قبول، المحكمة العليا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع