مدونة الدكتور محمد محمود كالو


أسباب وجوب حفظ النسب في الاسلام (1﴾

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


30/05/2022 القراءات: 3435  


أسباب وجوب حفظ النسب في الاسلام (1﴾

اهتَمَّ الإسلام بموضوع النسب اهتمامًا بالغًا، حتى إن الفقهاء والأصوليين يعتبرون النسب من الكُلِّيَّات الخمس، والذي يستعرض كتب الفقه وأبوابه يجد كثيراً منها له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالنسب، وأن بعض الأحكام الشرعية لا يمكن تنفيذها إلا بمعرفة النسب.
وبهذا يعلم أن حفظ النسب عند المسلمين يعد من نوع العبادة لله تعالى لتنفيذ أحكامه.
وهذه بعض الأسباب الدالة على أن حفظ النسب في الاسلام ضرورة:
السبب الأول: تحريم الزنا والعقاب عليه.
قال تعالى: ﴿ولا تَقْربُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الإسراء: 32].
وروى عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» [رواه البخاري ومسلم]
وإذ تبين أن الزنا حرام ومن كبائر الذنوب المهلكة علم أنه لا طريق إلى النسل شرعاً إلا النكاح، وإذا تعين أن النكاح هو الوسيلة الوحيدة عُلِم لكل ولد والدُه، بخلاف الزنا فإنه قد تعلم أمه ولا يعلم أبوه غالباً، وقد لا يعلم أحد منهما، إذ تزني الزانية باتصال عدد من الرجال بها، فلا تعلم هي مَن أبو ولدها من الزنا، وقد تعلم ذلك، وقد تلد خفية وترمي ولدها، فيلتقطه الملتقط، ولا يعلم له أباً ولا أماً.
وإذا تعين النكاح شرعاً لحفظ النسل علم أن المحافظة على النسب فريضة شرعية.
السبب الثاني: حق الحضانة: فقد أوجب الله سبحانه وتعالى كفالة الطفل وحضانته، ورعاية مصالحه لحاجته إلى ذلك، وأقاربه أولى الناس بحضانته وكفالته، وبعضهم أولى به من بعض.
وأولاهم بذلك أمه إذا كانت من أهل الحضانة، وإلا انتقلت إلى من يليها، وقد فصل ذلك العلماء في كتبهم، وكيف تعرف أمه التي هي أحق بحضانته، إذا لم تحفظ الأنساب؟
السبب الثالث: موانع النكاح: حرم الله سبحانه وتعالى في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على المسلم نكاح بعض النساء اللاتي لا يمكن اجتنابهن إلا بمعرفة نسب كل واحدة منهن، ومعرفة نسب من حَرمْنَ عليه.
قال تعالى: ﴿ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاركُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا. حُرمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَربَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحلائِلُ أَبْنَائِكُمُ وَحلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورا رحِيمًا﴾[النساء: 22-23].
قل لي بربك كيف يعرف المرء أمه المحرمة عليه، إذا ما زنت به وألقته في قارعة الطريق، فالتقطه من يربيه حتى يكبر، وهو لا يدري من أبوه ومن أمه؟
وكيف يعرف جداته منها أو من أبيه وإن علون؟
وكيف يعرف الأب الذي ألقى ماءه سفاحاً في أرحام عدد من النساء اللاتي يلتقي بهن مرة أو أكثر، ثم يمضي لسبيله فيحملن منه ويلقين أولادهن ولا يدرين هن ولا آباؤهن أين هم؟
إن في اختلاط الأنساب ما يحول بين المسلم وتنفيذ أحكام الله في محرمات النكاح عليه، لذلك كان حفظ النسب فرضا لا يجوز التفريط فيه.
السبب الرابع: صلة الأرحام وذوي القربى: لقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلم بالإحسان إلى الوالدين وذوى القربى، كما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْركُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُربَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَار ذِي الْقُربَى وَالْجَار الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورا}. [النساء: 36].
فإذا كان الإنسان لا يعرف أباه ولا أمه ولا أحداً من ذوي قرابته، فكيف يحسن إليهم؟
لذلك كان حفظ النسب فرضا لتنفيذ أمر الله تعالى بهذه الصلة.
السبب الخامس: الحكم بدية الخطأ على العاقلة: إن القاتل اذا قتل عمداً كانت الدية في ماله - إذا لم يقتص منه - أما إذا قتل خطأ فإن الدية تكون على عاقلته - أي عصبته - ومثل الخطأ شبه العمد - على خلاف فيه.
فإذا كان القاتل مجهول النسب، فكيف تعرف عاقلته التي يجب أن تحمل دية خطئه؟ لذلك كان حفظ النسب فرضا لتنفيذ هذا الحكم.


أسباب، حفظ النسب، الاسلام، الكليات الخمس، النكاح


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع