مدونة عبدالحكيم الأنيس


مَنْ هؤلاء؟ (أعلام لم يُعرفوا). (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


06/06/2022 القراءات: 738  


هذا مقالٌ يتناول الأعلام الذين جُهلوا، أو اشتُبه في معرفتهم، أو اختلطوا بغيرهم، لسببٍ من الأسباب، أو حصل تحريفٌ في شهرتهم أدى إلى التوقف فيهم، فيكشف عنهم، ويدلُّ عليهم، والله الموفق.
***
مَنْ أحمد بن نصر هذا؟
جاء في كتاب "الشفا" للقاضي عياض في الكلام على قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، (ص: 686): "قيل: المتقدم: ما كان قبل النبوة، والمتأخر: عصمتك بعدها. حكاه أحمد بن نصر".
ولم يُحدد شارحُ "الشفا" الشيخ علي القاري أحمدَ بنَ نصر هذا. انظر "شرحه" (2/282).
أمّا الخفاجي فقال عنه في "نسيم الرياض" (4/175): "الخزاعي الزاهد الشهيد، قتله الواثقُ في محنة خلق القرآن سنة إحدى وثلاثين ومئتين". وتابعه بعضُ المحققين.
وهذا غير صحيح، والصواب أنه شارح الموطأ والبخاري أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي المتوفى سنة (402)، وترجمته في "ترتيب المدارك" (7/102)، وغيره. وقد عيّنه عياض في موضع آخر من "الشفا" أنه الداودي.
***
مَنْ ابن عبّاد الذي حاوره ابنُ الأنباري في تأليف "الوقف والابتداء"؟
قال أبو البركات الأنباري في ترجمة (الصاحب) إسماعيل بن عباد في كتابه "نزهة الألباء": "‌ويُحكى ‌عنه أنه لما صنَّفَ كتاب "الوقف والابتداء" كان ذلك في عنفوان شبابه، فأرسل إليه أبو بكر بن الأنباري وقال له: إنما صنَّفتُ كتاب "الوقف والابتداء" بعد أنْ نظرتُ في سبعين كتابًا تتعلق بهذا العلم، فكيف صنَّفتَ هذا الكتاب مع حداثة سنك؟ فقال الصاحبُ للرسول: قل للشيخ: نظرتُ في النيّف والسبعين التي نظرتَ فيها، ونظرتُ في كتابك أيضًا" .
وهذه الحكاية -بهذا السياق- لا تصح؛ لأنَّ الصاحب إسماعيل بن عباد ولد سنة (326) ، وتوفي ابن الأنباري سنة (328).
وثمَّ مغايرة في العدد فقد نُسب إلى ابن الأنباري قوله: "نظرتُ في سبعين كتابًا"، ونُسب إلى الصاحب قوله: نظرتُ في النيف والسبعين!
ثم هل أُلفَ في هذا العلمِ قبل كتاب ابن الأنباري نيفٌ وسبعون أو سبعون كتابًا؟
إنَّ القائمة التي قدَّمها النديم (ت: 380) في "الفهرست" في وقف التمام، وفي الوقف والابتداء لا تصل إلى الثلاثين إلى حين تأليف كتابه سنة (377) ، فمِن أين السبعون؟ .
والحقيقة أنَّ ابن عباد المقصود ليس هو (الصاحب)، إنما هو محمد بن محمد بن عباد المكي المقرئ المعروف بابن عباد النحوي المتوفى سنة (334)، وهو مصنف "الوقف والابتداء"، وترجمته في كتب متعددة منها: "بغية الوعاة" (1/169)، و"هدية العارفين" (1/37)، و"معجم المؤلفين" (11/228).
وقد جاءت الحكايةُ على الصواب في كتابٍ آخر وفيها اختلافٌ عما هنا، إذ تَنسب إلى ابن الأنباري وابن عباد لقاءً مباشرًا، وتَنزل بالعدد مِنْ سبعين إلى ثلاثين، كما يأتي:
قال السيوطي في ترجمة ابن الأنباري في "تحفة الأديب في نحاة مغني اللبيب": "قال ابن النجار في "تاريخه": قرأتُ في كتاب أبي علي بن البنّاء بخطه: حكى ابنُ هارون الباقلاني قال: لمّا عمل ابنُ عباد كتاب "الوقف والابتداء" عرفَ ذلك ابنُ الأنباري فاجتمع معه وقال له: ما نظرتَ [فيه؟ قال: نظرتُ في ثلاثين كتابًا] مِن كتب الوقف والابتداء قبل أنْ أعمل كتابي. فقال أبو بكر: فاذكرها لي. فعدَّ له تسعة وعشرين كتابًا. فقال له: أين الثلاثون؟ فقال له: كتابك يا أبا بكر. قال: صدقتَ" .
بقي أنْ أذكر أنَّ ابن الجزري قال عن ابن الأنباري: "وكتابه في الوقف والابتداء أولُ ما ألف فيه وأحسن" . ولا بد له من تحديد.
وقد قال الدكتور حاتم صالح الضامن في كتابه: "ابن الأنباري سيرته ومؤلفاته" (ص: 44): "قام علماء العربية بوضع المصنّفات في موضوع الوقف والابتداء، وكان ابن الأنباري من أوائل العلماء، فصنَّف كتابه (إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عزوجل)، وهو أولُ كتابٍ وافٍ يصل إلينا". ثم ذكر قولَ ابن الجزري.
***
مَنْ الفقيه زين الدين؟
جاء في "سنا البرق الشامي للعماد الأصفهاني" اختصار قوام الدين الفتح بن علي البنداري (ت: 643)، تحقيق: رمضان ششن، طبع مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول (1425-2004)، (ص: 222): "قال الفقيه المهذب بن أسعد الموصلي في قصيدة يمدح بها السلطان صلاح الدين:
‌فمَن ‌هرمٌ وكعبٌ وابنُ سعدى … رعاء الشاء والمنعم [كذا والصواب: النعم] المراحِ
جوادٌ بالبلاد وما حوته … إذا جادوا بألبان اللقاحِ".
وقال المحققُ الأستاذ رمضان: "ابن سعدى لم أجده في المراجع".
قلتُ: ابن سُعدى هو أوس بن حارثة بن لام الطائي، وهو ممن يُضرب به المثل في الكرم. قال جرير يمدح عمر بن عبدالعزيز:
فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجودَ منك يا عمر الجوادا
انظر: المحبر (ص: 146)، وخزانة الأدب (3/42) و(4/214-216) و(4/442) ومواضع أخرى انظرها في الفهرس (13/165)، والمجالسة (8/166)، وأخباره وأخبار أسرته كثيرة، وهو من المشاهير. وقد مات في الجاهلية، انظر الإصابة (1/147).
وجاء في "سنا البرق الشامي" أيضًا (ص: 425): "الفقيه زين الدين بن الحكم"، وقال المحققُ الأستاذ رمضان: "لم يرد ذكرُه ... في المراجع".
قلتُ: الصواب: زين الدين بن الحكيم، وهو محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الحكيمي، أبو المظفر، الواعظ، المعروف بابن حكيم، المتوفى سنة (567). أخباره في "خريدة القصر" (قسم شعراء العراق) (3/1/266)، و"ميزان الاعتدال" (3/480)، و"الوافي بالوفيات" (2/203)، و"الجواهر المضية" (3/89).
***


تراجم. الأعلام. المكتبة الإسلامية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع