مدونة عبدالحكيم الأنيس


التسويف من جنود إبليس ...

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


06/07/2022 القراءات: 870  


أولى العلماء والمُربون اغتنام العمر وحفظ الوقت والتحذير من التسويف اهتمامًا كبيرًا، وهذه طاقة عطرة من أقولهم في ذلك، أسأل الله تعالى أن ينفعنا بها جميعًا:
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: كان يُقال: ‌‌من ‌استعمل ‌التسويف والمنى لم ينبعث في العمل. وكان يُقال: من أقلقه الخوف، تركَ أرجو، وسوف، وعسى.
وروى أبو نُعيم عن أبي بكر النساج قال: سمعت السريَّ يقول: من ‌استعمل ‌التسويف طالت حسرته يوم القيامة.
وقال أبو سليمان الداراني (ت: 215): مَن أراد واعظًا بينًا فلينظر إلى اختلاف الليل والنهار.
وقال: ‌أفضل ‌الأعمال ‌خلاف ‌هوى النفس.
وقال أبو عثمان المغربي (ت: 373): ‌مَن ‌أعطى ‌نفسه ‌الأماني قطعها بالتسويف والتواني.
وقال أبو الجلد جيلان بن قرة: ‌وجدت ‌التسويف ‌جندًا من جنود إبليس، قد أهلك خلقًا من خلق الله كثيرًا.
وكان أبو العباس بن السماك (ت: 183) يقول في كلامه: عجبًا ‌لعين ‌تلذ بالرقاد، وملك الموت معها على الوساد.
وقال الإمام الغزالي (ت: 505): "اشتغلْ بالاستعداد لها [للخاتمة] فواظبْ على ذكر الله تعالى، وأخرجْ من قلبك حب الدنيا، واحرسْ عن فعل المعاصي جوارحك، وعن الفكر فيها قلبك، واحترزْ عن مشاهدة المعاصي ومشاهدة أهلها جهدك؛ فإن ذلك أيضًا يؤثر في قلبك ويصرف إليه فكرك وخواطرك، وإياك أن تسوِّف وتقول: سأستعد لها إذا جاءت الخاتمة، فإن كان نفَس ‌من ‌أنفاسك خاتمتك، إذ يمكن أن تختطف فيه روحك، فراقبْ قلبك في كل تطريفة، وإياك أن تهمله لحظة، فلعل تلك اللحظة خاتمتك إذ يمكن أن تختطف فيها روحك، هذا ما دمتَ في يقظتك، وأما إذا نمتَ فإياك أن تنام إلا على طهارة الظاهر الباطن، وأن يغلبك النوم إلا بعد غلبة ذكر الله على قلبك، لستُ أقول: على لسانك، فإن حركة اللسان بمجردها ضعيفة الأثر".
وقال: "ولا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة، فتشتغل في كل وقت بما اتفق كيف اتفق، بل ينبغي أن تحاسب نفسك، وترتب أورادك في ليلك ونهارك، وتعين لكل وقت شغلًا لا تتعداه، ولا تؤثر فيه سواه، فبذلك تظهر بركة الأوقات. فأما إذا تركت نفسك سدى مهملًا إهمالَ البهائم لا تدري بماذا تشتغل في كل وقت، فينقضي أكثر أوقاتك ضائعًا، وأوقاتُك عمرك، وعمرُك رأس مالك، وعليه تجارتك، وبه وصولك إلى نعيم دار الأبد في جوار الله تعالى؛ فكل نفَس ‌من ‌أنفاسك جوهرة لا قيمة لها؛ إذ لا بدل له، فإذا فات فلا عود له. فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون كل يوم بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم، فأي خير في مال يزيد وعمر ينقص! ولا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالح؛ فإنهما رفيقاك يصحبانك في القبر حيث يتخلف عنك أهلك ومالك، وولدك، وأصدقاؤك".
وقال ابن الجوزي (ت: 597): "وإياك والتسويف بالاستعداد، فان العمر قصير، كل نفَس ‌من ‌أنفاسك بمنزلة خاتمتك، لأنه يمكن أن تخطف فيه روحك، والإنسان يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه. واعلم: أنه لا يتيسر لك الاستعداد بما يصلح، إلا أن تقنع بما يقيمك، وترفض طلب الفضول، وسنورد عليك من أخبار الخائفين ما نرجو أن يزيل بعض القساوة من قلبك، فانك متحقق أن الأنبياء والأولياء كانوا أعقل منك، فتفكر في اشتداد خوفهم، لعلك تستعد لنفسك".
ونقل الثعالبي (الجزائري) عن الزاهد الفارقي قوله: "أيها الأخ أَشعرْ قلبك مهابةَ ربك فإليه مآلك، وتأهبْ للقدوم عليه فقد آنَ ارتحالك، أنت في سكرة لذاتِك، وغشية شهواتكِ، وإغماء غفلاتِك، ومِقْراضُ الفناء يعملُ في ثوب حياتك، ويفصل أجزاء عمرك جُزءًا جزءًا في سائر ساعاتك، كل نفَس من أنفاسك جزءٌ منفصل من جملة ذاتك، وبذهاب الأجزاء تذهبُ الجمل، أنت جملة تؤخذ آحادها وأبعاضها، إلى أن تستوفي سائرَها عساكرُ الأقضية، والأقدار مُحْدقة بأسوار الأعمار تهدمُها بمعاول الليل والنهار، فلو أضاء لنا مصباحُ الاعتبار، لم يبقَ لنا في جميع أوقاتنا سكونٌ ولا قرار".
وقال الشيخ محمد بن علي خرد العلوي الحسيني التريمي: "اعلمْ أيها الأخ الكريم أن كل نفَس من أنفاسك جوهر لا يقوَّم ولا يعادل، ورأس مال لا يستخلف ولا يستبدل، إذا انتهبته يدُ الإضاعة فلا يرد، وإذا عمر بالطاعة فلا يوصف ربحه ولا يحد، وما من ميت إلا ويندم على ما قدم: إن كان محسنًا ندم على عدم الازدياد، وإن كان مسيئًا على عدم التوبة والاستعداد، وإن مضى له وقت في البطالة ندم على فوات ما لا يمكن أن يُستعاد، وتضييع ما يجب أن يُستفاد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس يتحسر أهل الجنة على ساعة إلا ساعة مرت عليهم لم يذكروا الله تعالى فيها. رواه الطبراني والبيهقي".
وقال الشيخ اللحجي: "وكل نفَس ‌من ‌أنفاسك (جوهرة) إنْ صرفته فيما ينفعك في الآخرة، أو (حسرة) إن صرفته في الأمور التي لا خير فيها ولا ثواب تناله منها".
وقال السيد الأمير أبو الحسن علي بن المرتضى الطالبي الحنفي البغدادي (521-588):
‌صنْ ‌حاضر الوقت عن تضييعه ثقة … أنْ لا بقاء لمخلوقٍ على الدومِ
وهبك أنك باقٍ بعده أبدًا … فلن يعود إلينا عينُ ذا اليومِ
وقال:
لا تحزننَّ لذاهبٍ … أبدًا ولا تجزعْ لآتِ
واغنمْ لنفسك حظها … في البين من قبل الفواتِ
وانظرْ إلى هذا الخبر المعجب:
قال ابن حجر في ترجمة الإمام المفسر محمود بن عبدالرحمن الأصبهاني (694-749):
"كان بعضُ أصحابه يحكي أنه كان يمتنعُ كثيرًا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب، ‌فيحتاج ‌إلى ‌دخول ‌الخلاء، فيضيع عليه الزمان".
وجاء في ترجمة الحافظ الحاكم الكبير أبي أحمد محمد بن محمد النيسابوري صاحب التصانيف (ت: 378) أنه "تقلد القضاء في مدن كثيرة ... وقلد قضاء الشاش وحكم بها أربع سنين، ثم قضاء طوس، وكان ‌يحكم ‌بين ‌الخصوم وإذا فرغ أقبل على التصنيف بين يديه".
وقال الشريف الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي البغدادي (ت: 575): ‌"اجعل ‌النوافل ‌كالفرائض، والمعاصي كالكفر، والشهوات كالسموم، ومخالطة الناس كالنار، والغذاء كالدواء".
وإذا أردتَّ رقة القلب والإقبالَ على العمل فقللْ من الذنوب:
روى الإمامُ أحمد عن مكحول الدمشقي قال: أرق ‌الناس ‌قلوبًا أقلهم ذنوبًا.


قيمة العمر. خطر التسويف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


تنبيه: صواب: أقولهم: أقوالهم. وصواب: جيلان بن قرة: جيلان بن فروة.