مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


28/12/2022 القراءات: 297  


وأخرج ابن جرير وآخرون عن أبي العالية: قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود، فوقع بين رجلين ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: أَلا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟، فقال آخر إلى جانبه: عليك نفسك، فإن الله تعالى يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فسمعها ابن مسعود فقال: مَهْ! لم يجئ تأويل هذه الآية بعد. إن القرآن أُنزل حيث أُنزل، ومنه آيٌ يقع تأويلهن عند الساعة، ما ذُكر من أمر الساعة، ومنه آيٌ يقع تأويلهن عند الحساب، ما ذُكر من أمر الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تُلْبَسوا شيعاً، فلم يذق بعضكم بأس بعض، فمُروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء،
وأُلْبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض، فكل امرئ ونفسَه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقلت: أليس الله يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فأقبلوا عليَّ بلسانٍ واحدٍ، فقالوا: أتنزع آية من كتاب الله لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت، ثم أقبلوا يتحدثون. فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حَدَث السن، وإنك نزعت آية لا تدري ما هي. وعسى أن تدرك ذلك الزمان: إذا رأيت شحاً ومطاعاً، وهوًى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضلَّ إذا اهتديت.
وأخرج ابن مردويه عن أبي بكر الصدّيق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما ترك قؤمٌ الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بذل، ولا أقرَّ قوم المنكر بين أظهرهم إلا عمَّهم الله بعقاب، وما بينكم وبين أن يعمكم الله بعقاب من عنده، إلا أن تَأَوّلوا هذه الآية، على غير أمر بمعروف ولا نهي عن منكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال:
يا رسول الله: أخبرني عن قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، قال: يا معاذ: " مروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوًى متبعاً، وإعجاب كل امرئ برأيه، فعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يضركم ضلالة غيركم، فإن من ورائكم أيام صبر، المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر، للعامل منهم يومئذ مثل عمل أحدكم اليوم، كأجر خمسين منكم ". قلت: يا رسول الله: خمسين منهم؟ قال: " بل خمسين منكم أنتم ".
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: ذكرتُ هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " لم يجئ تأويلها، لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام ".
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، يقول: إذا ما أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام، فلا يضره من ضل بعده، إذا عمل بما أمرته به.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه سئل عن هذه الآية فقال: نزلت في أهل الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} من أهل الكتاب {إِذا اهْتَدَيْتُمْ}.
وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان في قوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} إذا أَمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، قال: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرك من
ضلَّ إذا اهتديت.
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه تلا هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فقال: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله.
وقد عقب الإمام ابن جرير الطبري على الأقوال التي أوردها في معنى الآية تعقيباً لطيفاً، ورجَّح منها القول الذي قال به الصحابة والتابعون وجمهور العلماء.
قال: وأوْلى هذه الأقوال وأصحّ التأويلات عندنا، ما رُوي عن أبي بكر الصديق، وكأنه يقول: إنه لا يضركم ضلال من ضل، إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، وأدَّيتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم الله به فيه، من فرض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلماً لمسلم أو معاهد ومنعه منه، فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيِّه وضلاله.
وإنما كان هذا أوْلى التأويلات بالصواب: لأن الله أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط، ويتعاونوا على البرّ والتقوى. ومن القيام بالقسط الأخذُ على يدي الظالم. ومن التعاون على البرّ والتقوى الأمر بالمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو كان للناس تَرْكُ ذلك لم يكن للأمر به معنى.
وعلى هذا يدخل في معنى الآية ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب: إذا اهتديتم: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر. ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الإمام فخر الدين الرازي، فقد ردَّ ما قد يفهمه البعض من الآية، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجبين، وأنها تقدِّم رخصة للناس في تركهما:
1 - إن الآية لا تدل على ذلك، بل إنّ المطيع لربِّه لا يكون مؤاخَذاً بذنوب العاصي، أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بالروايات في تفسير الآية. يتبع إن شاء الله


نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع