مدونة سعد رفعت سرحت


اعتراض أهل اللغة على قول الناس:(اشتاقت لك العافية)

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


22/06/2022 القراءات: 782  




وجه الاعتراض على هذه العبارة أنّها تُقال للمريض،إلّا أن الناس توسّعوا فيها فاطلقوها على الصحيح السليم ،لأن الأصل في(الاشتياق) إنما يكون إلى غائب،فإذا قيلت هذه العبارة لمن كان صحيحًا معافى من العلل و البلاء صارت كالدعاء عليه بأن يبعدَ الله العافية عنه لكي تشتاق إليه.


هذا الاعتراض غاية في السطحيّة،لسببين:


أولًا //ينبغي أخذ العبارة بمقصدها بعيدًا عن حرفيتها ولا داعي للعود بها الى أصل الاستعمال،لأنها من باب التوسّع، فالأولى أن نجعل العبرة في المنطوق للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني،لأن الناس يقصدون بقولهم:((تشتاق لك العافية)) لازمتك العافية ملازمة حبيب لحبيبه ،والمعلوم أنّ الحبيب دائم الشوق لمن يحبّ وإن كان منه قاب قوسين أو أدنى.


اللهم نعم،الأصل في(الشوق) إنّما يكون للغائب،ولكن ألا ترون أنّ في العبارة ما يتضمّن إنزال الحاضر منزلة الغائب مبالغة في قربه ودوام ملازمته،وكأنك تقول:(طلبتك العافية ولازمتك) وإلا فمن معاني الشوق(المطالبة).


#ثانيًا//قولك:((تشتاق لك العافية))ردّ على من قال لك:((مشتاق لك))،وهذا محمول على (المشاكلة)أي ذكر الشيء بلفظ ما يصاحبه،وهذا من سنن العرب في كلامها،مثل قول الشاعر :


قالوا: اقترح شيئًا نُجد لك طبخه
قلت: اطبخوا لي جبّة و قميصًا


وهو يقصد(اجلبوا لي جبة وقميصًا) ولكنه تفنّن في القول فأخذ من سؤالهم كلمة (اطبخوا) وجعلها مكان(اجلبوا) على سبيل المشاكلة.


وكقول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا


أي : فنعاقبَه أو فنجازيَه على جهله ،ولكنه جعل(فنجهل) مكان العقاب والجزاء ردًّا على كلمة(يجهلن) في صدر البيت.


وهكذا فمن يقول لك:(مشتاق لك )، تقوم أنت بالردّ عليه ببعض لفظه،فتستعير منه لفظة( الاشتياق) وتسندها إلى العافية فتقول:(تشتاق لك العافية) أي تلازمك العافية،وذلك على سبيل المشاكلة.
وممّا ورد في القرآن الكريم من ذلك :
_(وجزاء سيّئة سيئة مثلها)
_(تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)
_(فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)


اشتاقت لك العافية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع