مدونة بكاري مختار


الدولة الفاطمية العبيدية -1-

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


18/03/2022 القراءات: 1133  



في العام (362هـ/ 972) ومن القاهرة ولى العبيديون يوسف بلكين بن زيري أميرًا لكل بلاد إفريقية, وكان متفانيًا في خدمة العبيديين وتوسيع أملاكهم, وولاؤه للمذهب الإسماعيلي الباطني, إلا انه لم يتشدد على أهل السنة .. واستمر حكمه حتى العام 373هـ/ 983م
وظل الحال على ذلك في عهد خلفائه:
إبنه أبو الفتح منصور بن بلكين بن زيري (373هـ - 386هـ) ثم حفيده باديس بن منصور بن بلكين (386هـ - 406هـ).
وفي العام (406- 449هـ) نودي بالمعز بن باديس أميرا لإفريقية فكان أول أمير زيري يعادي الفاطميين و ينصر أهل السنة ..
و استمر المعز بن باديس في التقرب إلى العامة وعلمائهم وفقهائهم من أهل السنة وواصل السير في تخطيطه للانفصال الكلي عن العبيديين في مصر,
فجعل المذهب المالكي هو المذهب الرسمي لدولته, وأعلن انضمامه للخلافة العباسية, وغير الأعلام إلى العباسيين وشعاراتهم, وأحرق أعلام العبيديين وشعاراتهم, وأمر بسبك الدراهم والدنانير التي كانت عليها أسماء العبيديين والتي استمر الناس يتعاملون بها 145 سنة وأمر بضرب سكة أخرى كتب على أحد وجهيها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله», وكتب على الآخر:
"وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ّ [آل عمران :85].
وقضى المعز بن باديس على كل المذاهب المخالفة لأهل السنة من الصفرية والنكارية والمعتزلة والإباضية.
وفي سنة 443هـ انضمت برقة كلها إلى المعز بن باديس بعد أن أعلن أميرها جبارة بن مختار الطاعة له.
تفجرت براكين الغضب في نفوس الففاطميين العبيديين وقرروا الانتقام من قائد أهل السنة في الشمال الإفريقي ومن أهله الذين فرحوا بعودة بلادهم لحظيرة أهل السنة,
فانعقد في القاهرة مجلس رافضي باطني إسماعيلي بقيادة الخليفة العبيدي وخرجوا برأي شيطاني مفادة رمي السنية الصنهاجية الزيرية بقبائل بني سليم وبني هلال, فإن انتصرت الدولة الصنهاجية تكون الدولة العبيدية قد تخلصت من هذه القبائل المتعبة, وإن انتصر بنو سليم وبنو هلال يكونوا بذلك انتقموا من عدوهم اللدود المعز بن باديس,
وكان الذي تبنى هذه الفكرة الوزير العبيدي أبو محمد بن علي اليازوري الذي شرع في إغراء القبائل المقيمة على ضفاف النيل وأمدهم بالمال والسلاح والكراع, وأباح لهم برقة والقيروان, وكل ما يكون تحت أيديهم, واتصل العبيديون بالمعارضين للمعز وأمدوهم بما يملكون من مال وسلاح وعتاد.
وبدأت حلقة الصراع العنيف بين المعز بن باديس والقبائل العربية المدعومة من الروافض العبيديين.

زحف بني هلال وبني سليم وغيرهما من القبائل على الشمال الإفريقي
كانت قبائل بني هلال وبني سليم تسكن الجزيرة العربية, وكانت مضاربها متوزعة حول المدينة المنورة ومكة والطائف ونجد, واستطاع القرامطة أن يستغلوهم في حروبهم ضد الخلافة العباسية والدولة العبيدية,
وقد تأثر بعض زعماء هذه القبائل بأفكار وعقائد القرامطة, ولم يكن تأثيرهم عميقًا وإنما كانت له أسباب اقتصادية ونزعة تمردية على الانقياد للدولة العباسية, وفي قتال القرامطة مع العبيديين لعبت هذه القبائل دورًا بارزًا في الشام وكانت لها شوكة ومنعة وعدة وعتاد.
فاستطاع الأمير العبيدي في مصر أن يجلبهم ويقربهم له بالعطايا والهدايا والأموال, واستجابت لطرح الخليفة العبيدي الذي كان حريصًا على وجود العنصر العربي في دولته, وأعطتهم الدولة العبيدية أراضي خصبة على ضفاف النيل,
و قد أعطت القبائل ولاءها للدولة العبيدية, وتبنت شعارات الدولة الباطنية لجهلها وبعدها عن فهم حقيقة دينها, وأخلصت للخليفة العبيدي الذي قرر الانتقام من المعز بن باديس بهذه القبائل ذات الشوكة والشكيمة والمنعة والدراية بالحروب,..
وخصوصًا أن الدولة العبيدية كانت لا تستطيع إرسال جيوشها بسبب انشغالها بالقرامطة, ومشروعاتها بالشام والمشرق عمومًا؛ ولأن طوائف من جيشها من نفس جنس المغاربة؛ بل من قادتهم من هو من نفس قبيلة المعز بن باديس, ولاسيما أن الدولة أهملت هؤلاء القادة والجنود منذ أيام العزيز والخليفة العبيدي.
وكانت القبائل العربية التي في صعيد مصر بعضها يرجع للفتح الإسلامي قد ازدادت بعد تركهم للجزيرة العربية ومجيئهم إلى مصر في زمن العزيز العبيدي.
واشتهرت تلك القبائل في صعيد مصر بإثارة القلاقل وإشاعة الاضطراب والفوضى في البلاد, فكانت هذه المرة فرصة ذهبية للتخلص منها والانتقام من عدو الدولة ابن باديس وقهره والتشفي منه.
وينسب للمستنصر قوله: «والله لأرمينه بجيوش لا أتحمل فيها مشقة» فدعا العرب وأباح لهم مجاز النيل إلى المغرب, وكانت ممنوعة عنها من قبل ذلك, فعبر منهم خلق عظيم
واجتمع الأمير المستنصر العبيدي مع زعماء القبائل العربية ومناهم بالمساعدة المالية والمعنوية, وأعطاهم خيولاً وسلاحًا وعتادًا ومالاً وكل ما يساعدهم في تحقيق أهدافه الشريرة وأباح لهم إفريقية يفعلون فيها ما يشاءون, وقال لهم: «لقد أعطيناكم إفريقية وملك ابن باديس فلا تفتقرن بعدها»
وعندما تحركت جموع العرب في 442هـ- 1050م أرسل الوزير العبيدي الحاقد إلى المعز بن باديس رسالة قائلاً له: «أما بعد, فقد أرسلنا إليكم خيولاً فحولاً, وحملنا عليهم رجالاً كهولاً, ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً».
فسيطرت هذه القبائل على برقة بدون مقاومة تذكر, وكانت برقة قد تمردت على العبيديين أيام الحاكم, وأعلنت الطاعة للمعز أيام المستنصر, وأحرقت المنابر التي كان يخطب فيها للعبيديين, وأحرقت راياتهم, وأعلنت دعوة القائم العباسي.


الدولة الفاطمية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع