مدونة د محمد ايت عدي


تكوين القيادة التربوية والاجتماعية

الدكتور محمد ايت عدي | Dr MOHAMMED AIT ADDI


19/05/2021 القراءات: 1651  


تجديد الدين والقيام بالمهام الإصلاحية إنما يبدأ بتجديد العلم وتكوين القيادة التربوية الإصلاحية الواعية، فوظيفة النذارة إنما هي منوطة بأهل العلم والفقه في الدين، وذلك قول الله تعالى: ﭐ ﴿ﭐ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ (التوبة: 122)، وعلى هذا يفهم معنى " أمة " في قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (آل عمران: 104)، فبمقتضى الأمر بالتفقه في الدين يكون مصطلح الأمة هنا دالا على معنى: أمة من أهل العلم، للعلة الجامعة بين السياقين في القصد والوظيفة. ومن هنا كانت وظيفة الأنبياء التربوية والدعوية قائمة على العلم والتعليم، ولم يكن عبثا أن جعل سر وراثتهم في خصوص العلماء، قال صلى الله عليه وسلم: "وأن العلماء هم ورثة الأنبياء" ، وبهذا كان العلم هو بدء كل شيء في الدين وهو أساس كل حركة في الدعوة إليه تربية وتزكية.
وإن من المصائب التي يرى الأنصاري رحمه الله أنها نالت من الأمة:" ترامي عدد من أهل الأهواء والنوازع السياسية على وظيفة العالِمية، حتى صار من الصعوبة لدى العامة التمييز بين العالم وغيره، وتداخلت في الأذهان مفاهيم كثيرة، كمفهوم الواعظ والداعية والأستاذ والمثقف، مما أدى إلى الترامي على وظيفة الإفتاء، وما نتج عنه من غلو في الدين. وما زاد الطين بلة أن طائفة ممن انتسبوا إلى العلم الشرعي لم يأخذوا منه إلا أشباح معارف دخلوا بها في جدل عقيم مع الناس غير مراعين حال الزمان وأهله". وفي ظل غياب المفهوم الحقيقي للعلم والعلماء تصدى كثير من عشاق النجومية ومحبي الزعامات لمجال العمل الإسلامي التنظيمي، مستغلين حالة الفراغ العلمي الذي تعاني منه الأمة. فالتف بعض الشباب حول من أحسن دغدغة عواطفهم النفسية الجريحة، فاختلطت في أنفسهم مشاعر التدين بمشاعر الرغبة في الانتقام لأوضاعهم الاجتماعية المتردية، مما أنتج أجساما تنظيمية قد تتحول في بعض الأحيان إلى خلايا سرطانية، تستوعب الشباب بصورة تجميعية متضخمة لتقتل مواهبهم الإبداعية، وتحجم طاقتهم الإنتاجية وتحصرها في اجتهادات إملائية تلقينية.
فالأزمة الحقيقية هي أزمة العلم، والعالِمية كما يعرفها رحمه الله هي:" صفة كسبية في معرفة أحكام الشريعة أصولها وفروعها، يكون المتحقق بها إماما في الدين تعليما وتزكية". ولتحقق هذا الوصف في العالم اشترط رحمه الله تحقق ثلاثة أركان:
الركن الأول الملكة الفقهية: وهي الصفة الكسبية التي بها يكون العالم فقهيا في أحكام الشريعة أصولها وفروعها، ولا يكون له ذلك إلا إذا تحقق بالعلم وصار له كالوصف المجبول عليه، وفهم عن الله مراده. وذلك مقتضى قوله تعالى: ﭐ ﴿ﭐ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (النساء: 83)، والاستنباط هو ملكة الفقه.
الركن الثاني: الربانية الإيمانية: وهي عنده رحمه الله: مقاربة الكمال في مسلك التخلق بأخلاق القرءان، والتحقق من صفتي التقوى والورع من أجل تحصيل العلم بالله والتعرف إليه تعالى، ولا يكون ذلك إلا بما حصل من مكاسب الأعمال، وبما ترقى في مدارج التزكية والإيمان، ومجاهدة النفس عبر منازل التعبد ومراتب الإخلاص حتى يخرج عن داهية هواه ويكون عبدا لله، مما يزيده شوقا ومحبة لله، فيزداد عملا لله ثم يزداد بذلك علما بالله، ثم يورثه هذا عملا فيزداد علما، ويصير بهذه الحال محلا للاقتداء في قوله وفعله وإقراره بما نال من سر الربانية، وبما قام في الأمة من مقام النبوة خلافة في التربية وإمامة في الدين.
الركن الثالث: القيادة التربوية الاجتماعية: وهي وظيفة العالم الإصلاحية وحق العلم المتعلق بذمته، ولا يكون للعالم قدرة على ذلك إلا إذا تبوأ مركز قيادة تربوية اجتماعية بين الناس، والقيادة التربوية الاجتماعية كما يراها الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله هي الانتصاب لتربية الخلق بما آتاه الله من علم وصلاح في نفسه، وبما اكتسب في طريق ذلك كله من بصيرة قلبية وخبرة دعوية وصناعة تربوية حتى انقدحت في قلبه الحكمة التي تبصره بالمناسبات الزمانية والمكانية والحالية في تنزيل الأحكام الشرعية والتوجيهات الدينية، مما يؤهله للإمامة العلمية والقيادة التربوية.
وهذه القيادة ليست حكرا على الرجال، بل سنامها المرأة، فلا مشروع إصلاحي بمعزل عن المرأة المربية والموجهة والحاضنة، وهذا هو المطلب الموالي.


القيادة - التربوية - الاجتماعية - الملكة الفقهية - الربانية الإيمانية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع