مدونة الدكتور محمد محمود كالو


تاريخ المسلمين في أوكرانيا

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


25/02/2022 القراءات: 324  


تاريخ المسلمين في أوكرانيا

تعرف الشعب الأوكراني على الإسلام في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي عن طريق الرحالة والتجار المسلمين الذين كانوا يتوافدون إلى كييف عاصمة الدولة محملين بالبضائع المختلفة، وهذا ما أثبتته المراجع والعملات النقدية التي عثر عليها مصكوكة بأحرف عربية يرجع تاريخها إلى القرن العاشر الميلادي.

وقد كان دخول الإسلام إلى أوكرانيا عن طريقين:

أولهما: الطريق الجنوبي عبر تركيا والدول العربية.

والثاني: الطريق الشرقي عبر بلاد الفولجا والقوقاز.

مشوار المآسي:

عندما وقعت كل من أوكرانيا وجزيرة القرم تحت سيطرة الإمبراطورية الروسية، و تنازلت تركيا عن القرم لروسيا حسب الاتفاق الذي وقع بينهما في يونيو 1774م بدأ مشوار المآسي مع المسلمين الذين أصبحت أمامهم خيارات الهجرة والإبعاد أو ترك دينهم واعتناق النصرانية.

كما أصبح الذهاب إلى الحج من أصعب الأشياء التي ممكن للمسلم الحصول عليها لأنها تحتاج إلى موافقة السلطات الرسمية، وفي سنة 1876م حرمت السلطات الروسية على المسلمين الحج إلى بيت الله الحرام، وبدأت السلطات الروسية حملات التطهير العرقي والديني لمسلمي القرم حيث قامت السلطات في سنة 1890م بإغلاق المدارس والمساجد ومصادرة الأوقاف ومطاردة المسلمين وإجبارهم على مغادرة موطنهم.

وفي بداية القرن التاسع عشر قامت القوات الروسية بإبعاد الأئمة والمعلمين وترحيلهم إلى المدن الروسية وإجبارهم أثناء الخدمة العسكرية على أكل الخنزير وكل ما هو محرم.

ونتيجة لهذا الاضطهاد والظلم المنظم من قبل روسيا على النظام التعليمي الإسلامي في شبه جزيرة القرم انخفض عدد المؤسسات التعليمية من 1550 إلى 275 مؤسسة تعليمية، ومما يزيد الأمر سوءاً تأسيس رابطة في عام 1901م تحمل اسم (رابطة ضد المسلمين) والتي من أهم أهدافها محاربة الإسلام والمسلمين، مما أدى بدوره إلى موجة جديدة من الهجرة.

وبسبب هذه السياسات القمعية والإرهابية اضطر أيضا كثير من المسلمين إلى الهجرة من موطنهم القرم، فهاجر أربعة ملايين مسلم إلى تركيا من سنة 1783 – 1917م هرباً من سياسات القمع الروسية، أما الذين لم يتمكنوا من الهجرة فتم ترحيلهم إلى مدن روسيا المختلفة لتذويبهم في المجتمع الروسي، وبعد طرده من القرم كان يفقد حق العودة إلى موطنه مرة أخرى.

كما قامت السلطات بطمس معالم الحضارة الإسلامية، وإزالة كل شيء له علاقة بالإسلام من أرض القرم، ففي عام 1833م قامت السلطات بالاستيلاء على المكتبات وهدمها وحرق الكتب الإسلامية وإبادتها، أما المساجد فأكثر من 900 مسجد تم هدمها واستخدامها في مجالات أخرى.

ولم تكتفِ السلطات بذلك بل قامت بنبش مقابر المسلمين والعبث بها، حيث سرقت منها الحجارة لاستخدامها كمواد للبناء.

هكذا كان الحال بالنسبة للقرم أما مدن أوكرانيا الأخرى فكانت تستقبل عشرات الآلاف من تتار قازان المبعدين عن بلاد نهر الفولجا، وبعد انتصار روسيا في حرب القوقاز تم إبعاد الشيشان والداغستان إلى دول الشمال والتي منها أوكرانيا.

ورغم كل ذلك لم يتخلَّ المسلمون عن دينهم أبداً، ففي كثير من المدن كان يجتمع المسلمون في أماكن خاصة للصلاة الجماعية وقراءة القرآن وإقامة الدروس الإسلامية بعيداً عن أعين السلطات.

لكن وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت السلطات تسمح ببناء المساجد وتكوين الجمعيات الإسلامية التي تتولى شؤون المسلمين، وبالفعل تم بناء مسجدين في مدينتي لوغانسك ومكييفكة، كذلك تم إنشاء عدد من الجمعيات الإسلامية في مدن مختلفة.

أما في القرم فقد أنشئت إدارة دينية في مدينة سيمفروبل عاصمة القرم تولت شؤون المسلمين عبر الجمعيات الإسلامية، وقد امتازت هذه المرحلة بوجود رموز مؤثرة على الساحة الأوكرانية كان لها الأثر الكبير في انتعاش الحضارة الإسلامية منهم: إسماعيل نوري، عبدوريقي بدانسي، إسماعيل بيك جاسبيرينسكي، والذين قاموا بتغييرات إصلاحية على حياة المسلمين سميت "جديديزم" حيث قام إسماعيل نوري بإصدار الكتب والصحف التي تنادي بالفكر التجديدي.

هكذا سارت حياة المسلمين حتى قيام الثورة الاشتراكية في أوكتوبر 1917م لتبدأ مرحلة جديدة في محاربة الإسلام والمسلمين في أوكرانيا، فقد قام النظام وبصورة واسعة وبقسوة متناهية بإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية والمكتبات الدينية والقبض على الزعماء الإسلاميين وتعذيبهم في السجون.

وقام النظام الاشتراكي بإغلاق المساجد وبصورة وحشية، فعلى سبيل المثال لا الحصر استولى النظام على المسجد الكبير في مدينة سيمفيروبل وتم تحويله إلى معاصر للزيوت، وحول المسجد الحجري بمدينة سيفاستوبيل إلى مبنى لأرشيف سلاح البحر عام 1921م، ومسجد قرية تينيستاف ببخشيسراي تم تحويله إلى مخزن للمحاصيل الزراعية، أما المسجد الرئيسي في مدينة بخشيسراي فتم تحويله مع قصور ملوك القرم إلى متحف، وما زال حتى يومنا هذه متحفاً يرتاده السواح.

وفي الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن وبدون رحمة قام النظام بتغيير اللغة وأسلوب الكتابة ومنع التعليم الإسلامي، وحرم استخدام الحروف العربية في الكتابة.

كذلك لم يتوان النظام الشيوعي عن اتهام التتار المسلمين سكان القرم بالتواطؤ مع الألمان في الحرب العالمية الثانية ليقوم بترحيلهم و تهجيرهم إلى أوزبيكستان وكازاخستان وسيبيريا في صورة لا إنسانية في قطارات الشحن والمواشي بدون طعام أو شراب، الشيء الذي أدى إلى وفاة الكثيرين في القاطرات وأغلبهم من الأطفال وكبار السن بسبب البرد والجوع والأمراض.

هكذا كانت الحياة الدينية لمسلمي أوكرانيا والقرم، ولم يستطيع المسلمون ممارسة شعائرهم الدينية بحرية إلا بعد أن أعلنت أوكرانيا استقلالها بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وانتهاء الحقبة الشيوعية.

واليوم يقسم مسلمو أوكرانيا إلى ثلاث أقسام:

أولاً: المسلمون سكان البلاد (الأوكرانيون).

ثانياً: المسلمون المهاجرون الذين يعيشون على أرض أوكرانيا.

ثالثاً: مسلمو شبه جزيرة القرم.


أوكرانيا، المسلمون، جزيرة القرم، روسية، الظلم، الاضطهاد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع