مذكرات السيد حافظ بين توثيق الحقيقة والحقيقة الموازية
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
20/02/2024 القراءات: 595
إن الكتابة هي اللغة الوحيدة التي تمكننا من ممارسة حقوقنا بصورة فاعلة، فهي القَصُّ والحكي والسرد، وهي الفعل ورد الفعل، وهي الفعل الذي يمارس سلطاته علينا بصورة مباشرة.
لا يمكننا العيش بدون التعبير عن أفكارنا وما يعتمل في خواطرنا، وإلا تحولنا إلى جمادات، ورغم ذلك فإن الجماد يتكلم بلغة لا يمكن إدراكها بصورة عفوية إنها دلالة المكان التي يطلق عليها سيميائة المكان .
الكتابة دراجات ودركات كما أن الجنة درجات والنار دركات، فالكتابات التي تحمل معاني التنوير والعدل والقضايا الإنسانية الخالدة هي التي ضمن الدرجات، رُتبتها – في الدرجة - حسب ما تحمله وتطرحه من قضايا وتصورات تخدم الإنسان .
أما الكتابات الساقطة التي تحمل الزيف والمُهَاترات والتصورات الهدّامة هي ضمن الدركات - لا شك في ذلك -، وهي ساقطة ولو بعد حين، ومتهاوية من عليا زيفها إلى قاع المهانة و قاموس النسيان .
يُعَد الكاتب الكبير "السيد حافظ" من المثقفين الكبار في أمتنا العربية، وله دور محوري في الثقافة على مستويات متعددة، مابين المسرح والتلفيزيون والرواية والنقد.
شكّلت كتاباته أجيالا متعددة من المبدعين عبر ما كان يقو م به في المسرح والتليفزيون من أعمال درامية، ويعد ما يقدمه من أراء وتصورات كانت بمثابة النقش على الحجر في عالم الثقافة والكتابة.
لا يمكن بحال من الأحوال إغفال دور الأستاذ "السيد حافظ" في الحالة الثقافية العربية على كافة المسويات، فإن معاصرته ومجايلته لمراحل متعددة من ثقافتنا منحته القدرة على التربع على عرش الثقافة العربية في وقتنا الحالي.
إن ما نكتبه أو نحاول التأطير له ليس من باب المجاملة أو إعطاء المديح دون دراية، وإنما الحقيقة إن "السيد حافظ" مؤسسة ثقافية متكاملة الأركان تحتاج إلى جهود كبيرة للنهوض بما فيها من قضايا علمية ومعرفية ، تخدم الأجيال الحالية والآتية.
كما إن الأستاذ "السيد حافظ" - حاليا - يحاول توثيق تجربته الثقافية والفكرية، ورحلاته التي كانت بين الفن والحياة في عواصم متعددة من أمتنا العربية.
ومع التقدم الكبير الذي نعيشه في ظل عالم الذكاء الاصطناعي والتطورات المذهلة التي تدور من حولنا، يقوم الأستاذ "السيد حافظ" بتوثيق تجربته في لقاءات بينه وبين المشاهدين على كافة المستويات على اليوتيوب، بصورة تشاركية بينه وبين الجمهور، وهي طريقة جديدة لتوثيق المذكرات والكتابات لم تكن متاحة في الماضي.
يبُث من خلال هذه اللقاءات خلاصات عميقة وتصورات متنوعة حول قضايا متعددة متعلقة بالثقافة والفن والمنهج من حيث التصويب والتخطىء، وتلك الفترة تمثل لأجيالنا اللاحقة أهمية قصوى؛ فنحن بحاجة إلى الوقوف بعناية مع تلك المذكرات والحوارت؛ فهي تضع لنا العديد من المفاهيم والقضايا والشخصيات في بؤرة المكاشفة والوضوح والنقد.
إن الكاتب الكبير "السيد حافظ" في الجزء الثاني من مذكراته يُقدّم لنا مجموعة من القضايا، منها ما يتصل بالمنهج في الكتابة والتوثيق والسرد، ومنها ما يتعلق بالموقف والقضايا سواء على المستوى العام أو الخاص فهي تنهض على عدة محاور ثقافية وفكرية لا غنى عنها للإطار الثقافي والفني .
ولأننا نرى أن " التاريخ هو سرد وتوال لقصص وعبر الأمم السابقة، ولعل ذلك السرد التاريخي لم يكن مجرد قصص وحكايات يتداولها الكبار ويحفظونها ليسردوها على الصغار، وإنما كانت السرديات التاريخية متضمنة لخطابات ورسائل مبطنة، تعبر عن حدث ما أو لطيفة معينة. لعل تلك السرديات التاريخية تحمل في كنَفِها، عدة رسائل وخطابات مُبطّنة لها أبعاد معينة.
تُرى هل هناك سرديات تاريخية متعددة؟ وهل تنطوي على خطابات ورسائل لها أبعاد أم هي مجرد حكي عابر؟ هل الغرض منه الدعابة والوقوف على الأطلال أم له أبعاد أخرى تتجاوز النكتة؟ وهل يمكن الحديث عن سردية تاريخية سياسية وأخرى لها علاقة بالمجتمع؟"
نعم يمكن الحديث عن سرديات تاريخية متعددة تنفجر من نص "السيد حافظ" الذي يقدمه في مذكرات، تحمل دلالات متعددة تمتد إلى كافة الجوانب الاجتماعية والثقافية وغيرها.
ويؤكد هذا المعنى "سعيد يقطين" فيقول:" لا يمكن الحديث عن الأدب إلا من خلال أجناسه، كما أنه لا يتأتى لنا تناول أيّ جنس منها بدون الانطلاق من أحد أنواعه. يتقاسم الإحساس بنوعية الأجناس الأدبية كل من القراء والكتاب، ضمنا أو مباشرة. فحين يقرر كاتب ما إبداع عمل أدبي، فهو ينتجه في نطاق القصة أو الرواية أو القصيدة مثلا، ضمن تصور عام للأدب تلتقي فيه كل الأشكال الأدبية. وفي الوقت نفسه، يبدع ذلك الأثر في نطاق النوع الخاص الذي ينشغل به، مراعيا في ذلك القواعد الخاصة بهذا النوع على وجه الإجمال. ويمكن قول الشيء نفسه عن القارئ. فالذي يتجول بين الأروقة الخاصة بالأدب في مكتبة خاصة أو عامة، يختار منها ما يتلاءم مع ميولاته. إن عاشق الرواية البوليسية غير المهتم بالرواية العاطفية، أو التاريخية. وقس على ذلك. وكل قارئ لأيّ نوع تتشكل لديه خطاطات عامة لقواعد أيّ نوع فيمكنه ذلك، عبر التفاعل مع ما يقدمه له الإنتاج الأدبي، من تحقيق المتعة أو الفائدة المراد تحصيلها من وراء عملية القراءة."
وحول الجزء الثاني من مذكرات الكاتب "السيد حافظ" الذي قمنا بتفريغه وضبط نصوصه ومقابلتها بالمقاطع على اليوتيوب وإخراجه إلى النور في صورة كتاب لتَعُمّ الفائدة، حاولتُ تقديم مجموعة من المقاربات النقدية تتعلق بما جاء فيها في عدة محاور كالآتي :
• خطورة تحويل الصراع المادي إلى صراع فكري .
• عندما يكون النص فاعلا أكثر من كونه مكتوبًا .
• النص الفاعل والنص الميت - الخامل- ( جدلية الواقع والمثال ).
مذكرات السيد حافظ بين توثيق الحقيقة والحقيقة الموازية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة