مدونة عبدالحكيم الأنيس


بين يدي كتاب "أبواب السعادة في أسباب الشهادة" (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


22/02/2023 القراءات: 849  


- مقدِّمة:
أيها الإخوة والأخوات:
نبينا عليه الصلاة والسلام يدعونا إلى التخلق بخلق الرحمة، وهو عليه الصلاة والسلام كان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، وما أرسله الله إلا رحمة للعالمين، وهو الرحمة المهداة، ومن رحمته -عليه الصلاة والسلام- أنه من وراء القرون ... من وراء الزمان والمكان، كان يسلي أمته، ويعزيها، ويهون عليها شدائد الدنيا، ويعدها أجمل الوعود إذا هي أصابتها الشدائد فصبرت، كان يعدها -عليه الصلاة والسلام- أن من وراء ذلك رحمات وبركات وهبات، والدنيا قصيرة لا تستحق الجزع، وليست حقيقة بأن يضيع الإنسان أجره من أجلها، وقصارى أمرها إلى زوال، فمَن صبر وثبته الله تعالى، وشرح صدره، وبصَّره بحقيقة الأمر؛ اغتنم هذه الدنيا؛ اغتنم شدائدها، وأهوالها، ومصائبها، وما يحدث فيها، وجعل من ذلك حِرزًا حريزًا وعملًا صالحًا يقدمه بين يدي أخراه.
من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تسليته لأمته أنه وعد هذه الأمة بالمنازل العالية والدرجات الغالية إذا هي صبرتْ على لأواء الدنيا، وهذه الدنيا لا تنفك من ذلك، ومجلسنا هذا لقراءة كتاب يتناول جانبًا من هذه الوعود التي وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة، نقرأه بالتزامن مع ما حصل في تركيا وفي سوريا من هذا الزلزال المهول، الذي زلزل قلوب الناس، وذهبت فيه أرواح وأموال كثيرة، ولكن، كما قلت، إنما هذا ابتلاء وبلاء، يعقبه إن شاء الله أجر كبير، ومنزلة عالية لمن صبر وثبت وأيقن أن هذا إنما هو ابتلاء واختبار من الله ت.
وقد كان في الأمة من هذا كثير، وكانت الأمة صابرة، متثبتة، جلدة على ما كان؛ إيقانًا منها بوعود رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من هذه الوعود أجر الشهادة، والشهادة منزلة عالية يتمناها الإنسان ويرجوها، منزلة الشهادة كبيرة جدًا، فأجر الشهادة هو وعد نبوي لمن مات تحت الهَدَم، كما حصل،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الأهدَمَين، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا مر أحدكم بطِرْبال مائل فليسرع المشي» والطربال المائل هو الشيء المشرِف.
ومر النبي صلى الله عليه وسلم تحت جدار مائل، فأسرع المشي، فقيل: يا رسول الله، أسرعت المشي، فقال: «إني أكره موت الفوات» يعني موت الفجأة، فهل يتعارض هذا مع الوعد بأن الموت تحت الهدم موت شهادة؟ لا، بل على الإنسان أن يأخذ بأسباب السلامة، وأن يسأل الله تعالى العفو والعافية، ولكن إذا وقع هذا وكان صابرًا راضيًا، أو وقع من غير انتظار ومن غير حسبان له فهذا -إن شاء الله- له أجر الشهادة، وإلا فالأصل أن يأخذ بأسباب السلامة والوقاية، وأن لا يكون لدينا فساد في البناية ولا في العمران، فإن ذلك مما يضاعف الخسارات في الأموال وفي الأرواح، والعلم اليوم -والحمد لله- بلغ درجات عالية، ويمكن للإنسان أن يأخذ بأسباب الوقاية والحماية والرعاية والعناية، ولو أن هذه العمارات وهذه المباني المشيدة أخذتْ بوسائل الوقاية وبالتعليمات التي ينبغي أن يؤخذ بها في المناطق الخطرة المعرضة لمثل هذه الزلازل لكان الأمر أخف من ذلك بكثير، كما نرى في دول متطورة، ولكن جشع الإنسان وطمعه يجعله يتحايل على القوانين وعلى التعليمات، فلا يطبق ولا يأخذ بهذه الأسباب، ويستهتر بأرواح الناس، ومن وراء ذلك مسؤولية كبيرة أمام الله تعالى.
سنقرأ في هذا المجلس كتاب «أبواب السعادة في أسباب الشهادة» للإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله، هذا الكتاب يبين أنواع الشهداء، ويحاول أن يستوعب وإن لم يستوعب، ويحاول أن يستقصي وإن لم يستقصِ، وكل عمل معرض للزيادة والاستدراك.
ذكر السيوطي في كتابه هذا خمسة وستين حديثًا وأثرًا، ما بين صحيح وحسن وضعيف ومنكر أيضًا.
2- نسبة الكتاب وتاريخ التأليف:
هو ثابت النسبة، صحيح أنه لم يُذكر في القائمة الأولى التي وضعها السيوطي لنفسه في حدود سنة (871هـ) في ترجمته الأولى لنفسه في كتاب «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة» التي ضمت ثمانين عنوانًا، ذلك لأنها قائمة مبكرة، ويبدو أنه ألفه بعد ذلك، ولكنه ذكره في كتابه «التحدث بنعمة الله» الذي ألفه سنة (890هـ)، وذكره في ترجمته لنفسه في «حسن المحاضرة»، وذكره كذلك في كتاب في رسالته «فهرست مؤلفاتي» التي ذكر فيها المؤلفات التي ارتضاها إلى الممات، وكذلك ذكر هذا الكتاب في كتاب «تنوير الحوالك على موطأ مالك» فقال عندما ذكر الشهداء: «وقد جمعتهم فناهزوا الثلاثين» هكذا قال مع أن المذكور خمسون نوعًا، ثم ذكر في «تنوير الحوالك» ثلاثة وعشرين نوعًا، فلا أدري لماذا قال «فناهزوا الثلاثين»، ربما بَعُد عهده بالكتاب، وربما له غاية أخرى أنه اقتصر على الصحيح والحسن، هذا ما يحتاج إلى دراسة.
وكان السيوطي قد وعد بهذا الكتاب في كتابه «التوشيح شرح الجامع الصحيح» فقال في الجزء الخامس وهو يتكلم على أنواع الشهادة: «وبقيتْ أسباب أُخَر للشهادة سأفردها بكراسة إن شاء الله تعالى» وقد فعل في هذا الكتاب، فهذا ما يتعلق بتاريخ التأليف.
3- مصادر الكتاب:
مصادر مضمون الكتاب (ولا أقول: مصادر المؤلف لأنه يبدو لي أنه أخذ بواسطة غير قليلة) هي:
• الإيمان بالسؤال لعبدالرحمن بن منده.
• تاريخ بغداد للخطيب.
• تاريخ دمشق لابن عساكر.
• الترغيب للأصبهاني.
• حلية الأولياء لأبي نعيم.
• شعب الإيمان للبيهقي.
• صحيح ابن حبان.
• عمل اليوم والليلة لابن السُّنّي، ولم يسمِّه.
• الفردوس للديلمي.
• فضائل الأعمال لحُميد بن زنجويه.
• كتاب (العيدين) للمروزي.
• كتاب (المئتين) للصابوني.
• الكتب الستة.
• المستدرك للحاكم.
• مسند أبي يعلى.
• مسند الإمام أحمد
• مسند البزار.
• مسند الفردوس للديلمي.
• المصنف لابن أبي شيبة.
• المصنف لعبدالرزاق.
• معاجم الطبراني الثلاثة.
• المنتقى من حديث أبي طاهر الحِنائي للسِّلَفي. ذكر في المطبوع هكذا: "حديث أبي طاهر الحنبلي". والصواب ما أثبتُّ.
• الموطأ.


دراسة الكتب. مكتبة السيوطي. أسباب الشهادة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع