مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي


: أثر التّكامل المعرفيّ في بناء القدرات العقليّة وتنميتها (2)

الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab


03/05/2022 القراءات: 1715  


كما أنّ هذا التّكامل يرمي إلى تخفيف حالة التّشتّت المرجعيّ الّذي يعيش فيه الواقع الإسلاميّ المعاصر، نتيجة الفصام بين علوم الدّين وعلوم الدّنيا، باعتبار أنّ هذا التّكامل سيحول دون تعميق حالة الغياب والانسحاب الحضاري الّذي تعيش فيه أمّتنا منذ أمد طويل، نتيجة فصل أبنائها بين شؤون دينها وشؤون دنياها (http://badislounis.blogspot.my/2016/05/blog-post_4.html, 4/5/2016,Failali)، فجلّ المؤسّسات التّعليميّة اليوم -في البلاد الإسلاميّة- تفصل بين العلوم الدّينيّة والدّنيويّة، فالطّالب المتخصّص في العلوم العقليّة، يجهل كثيرًا من العلوم النّقليّة، والطّالب المتخصّص في العلوم النّقليّة، يجهل كثيرًا من العلوم العقليّة، وكلاهما قليل الإدراك لحقيقة الاتّصال المنطقي بين العلوم النّقليّة والعقليّة، حيث تعرض المعلومات على نحو لا تترابط خلاله الحقائق والمفاهيم، فضلًا عن كونها تقدّم معزولة عن ميادينها التّطبيقيّة.

وقد أكّدت الدّراسات والبحوث أنّ تنوّع العلم ينمّي العقل ويُذكيه، والمعرفة تشحن الذّهن وتقوّيه، ولمّا كان هذا الأمر حقيقة، فإنّ الأمر يستوجب الاعتناء بالعلم والعقل معًا؛ فإنّ العقل إذا نمّي وعلِّم التّفكير، فإنّه سيوفّر الإدراك الحقيقيّ للمعطيات الفعليّة لعمليّة التّغيُّر والتّطوّر الحضاريّ، ويعين الإنسان على أن يجوب فضاء المعرفة الإنسانيّة الّتي تتطوّر في كلّ لحظة وساعة. وبهذا يكون المخّ والعقل هما مركز النّشاطات العقليّة التي تسيّر أمور الإنسان وتتحكّم في تصرّفاته وقدرة استيعابه، وأنّه بقدر ما تتفتّح أمام العقل أبواب المعرفة، فإنّه يمكن أن ينمو ويدرك البيئة الطّبيعيّة والاجتماعيّة، ويستجلي غوامضهما ومشكلاتهما، كما يتوصّل إلى معرفة مقوّماتهما، وبذلك يسهم في عمليّة التّغيير والتّطوير. فالعلم والقدرة على التّفكير عاملان أساسيّان في نموّ العقل، واتّساع طاقته على الاستيعاب، تتعدّى منفعته إلى المجتمع (Bukhti, http://www.alrafedein.com/news.php?action=view&id=7568, 9/6/2019 ). وهذا الّذي حثّ عليه الشّارع الحكيم -سبحانه وتعالى-، حيث إنّه أمر عباده أن يسيروا في الأرض، وينظروا ويتدبّروا ما فيها، وكيف كان عاقبة الأمم من قبلهم، ويتفكّروا في خلق السّموات والأرض وما بثّ فيهما من آيات عظام، فقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ((Al-Quran 3:190-191.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ((Al-Quran 2:164، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ((Al-Quran 12:109، وغيرها من الآيات الكريمة. فزوّد الله -تعالى- الإنسان بقدرات وإمكانات فكريّة، وأعطاه عقلًا مفكّرًا واعيًا؛ ليسخّره في التّفكير والتّدبّر والنّظر والاستنباط، فينمو ويتقدّم، ويكشف عن حقائق علميّة، ويعرف من الأسباب والاختراعات وكيفيّة الدّفاع عن النّفس ما يؤمن له البقاء والمعيشة؛ فيزداد حبًّا وتعلّقًا بالله، فيهتدي به إلى الحقّ، وينتفع بما فيه المنفعه لدينه ودنياه، ويبتعد عمّا يضرّه في دنياه وآخرته.

لذا عندما أدرك الكفّار أهمّيّة العقل، سعوا إلى حمايته وتنميته للانتفاع به، وتطوير بلدانهم وتمكينها من تسنّم ذرى المجد والسّيادة والرّيادة في مجال الاكتشافات والاختراعات، وقد تمّ لهم تحقيق ذلك بالقياس إلى ما كانوا عليه في الماضي، وهذا التّطوّر العقليّ أدّى إلى حدوث ثورة تكنولوجيّة عارمة، عمّت بنفعها العالم كلّه، ثورة علميّة ذات حركة تقنية باتجاه تصاعديّ، لبّت وتوافقت مع متطلّبات العصر، وامتازت بحسن الأداء وقوّة الفاعليّة. زيادة على ذلك أنّهم رسموا معالم واضحة لكلّ من المبدع والمتلقّي، فوعى كلّ منهما دوره: من أين ينطلق؟ وعلى أيّ أساس؟ ونحو أيّ هدف يتَّجه؟ كما أنّهم لم يغيّبوا عقول شبابهم في قضايا لا طائلة من ورائها، بل نمّوا العقل وجعلوه مفكّرًا واعيًا، وراعوا حقّه في الحماية والمعرفة، وحصوله على ما يلزمه، باعتباره الوسيلة الأولى في الإبداع والتّطوّر والابتكار (Bukhti, http://www.alrafedein.com/news.php?action=view&id=7568, 9/6/2019 )


أثر، التّكامل، المعرفة، تنمية، القدرات.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع