مدونة بكاري مختار


الدولة الفاطمية العبيدية -3-

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


18/03/2022 القراءات: 899  



ولما كان يوم النحر من هذه السنة 442هـ جمع المعز سبعة وعشرين ألف فارس, وهجم على العرب على حين غرة وهم في صلاة العيد, فركبت العرب خيولهم وهجمت على جيوش المعز فهزمتهم وأثخنتهم قتلى,
ثم جمع المعز وخرج بنفسه في صنهاجة وزناتة في جمع كثير, وهاجم العرب في منازلهم, واحتدم القتال وتبارز الشجعان فانكسرت شوكة صنهاجة وولت زناتة الأدبار, وثبت المعز فيمن معه من عبيده ثباتًا عظيمًا لم يسمع بمثله وتناقلته الركبان, ثم انهزم وعاد إلى المنصورية,
وأحصى من قتل من رجال المعز فكانوا ثلاثة آلاف وثلاثمائة, ثم أقبلت العرب حتى استقرت بمصلى القيروان ووقعت حروب طاحنة مع المعز قُتل من المنصورية ورقادة خلق كثير,
فلما رأى ذلك المعز سمح لهم بدخول القيروان لما يحتاجون إليه من بيع وشراء, فلما دخلوا استطالت عليهم العامة, ووقعت بينهم حرب كان سببها فتنة بين إنسان عربي وآخر عامي, وكانت الغلبة للعرب,
وفي سنة 446هـ أشار المعز على الرعية بالانتقال إلى المهدية لعجزه عن حمايتهم من العرب.
وبعد أن رتب المعز أمور العاصمة الزيرية الجديدة ونقل لها كل وظائف الدولة انتقل المعز إلى المهدية 449هـ فتلقاه ابنه تميم ومشى بين يديه واستولى العرب على القيروان وهدموا حصونها وقصورها وقطعوا الثمار, وخربوا الأنهار,...
وكانت الوقائع والمعارك والحروب التي خاضها المعز مع العرب درسًا قاسيًا له, أقنعته بألا طاقة له بالعرب, أيقن أن العبيديين مكروا به مكرًا عظيمًا, وكان من أسباب الهزائم المتلاحقة التي لحقت بالمعز قوة العرب وشجاعتهم, وخذلان جنوده من البرابرة الذين لا زالوا يعظمون الخلافة العبيدية حيث خذلوه في أكثر من موقع, وتقريب المعز لعبيده مما أوغر نفوس صنهاجة وزناتة عليه.
وعندما استقر المعز في المهدية فوض أمر الدولة وشئون الحكم لابنه تميم الذي آنس فيه والده حسن التصرف وأصالة الرأي.
وبقى هذا المجاهد العظيم في ضيافة ابنه إلى أن توفاه الله سنة 453هـ.
☆ ويشهد التاريخ الإسلامي البربري أن له الفضل بعد الله في القضاء على عقائد الباطنية الإسماعيلية في الشمال الإفريقي, وكان درعًا حصينًا لمنهج أهل السنة وقدمهم في دولته وكلفه ذلك ثمنًا باهظًا من قبل أعدائه.
☆ كما يشهد التاريخ للمعز بن باديس وأتباعه من البرابرة أنهم تبنوا منهج أهل السنة والجماعة, وربطوا شمالهم الإفريقي بالخلافة الشرعية العباسية في بغداد,
☆ ويشهد التاريخ أن المعز أصبح علمًا من أعلام المسلمين ورمزًا من رموزهم, ودخل تاريخهم من أوسع أبوابه مسجلاً أعمالاً عظيمة, ونرجو من الله أن تكون في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وفاة المعز بن باديس:
ذكر ابن الأثير في أحداث سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وفاة المعز بن باديس وولاية ابنه من بعده فقال:
«في هذه السنة توفى المعز بن باديس, صاحب إفريقية, من مرض أصابه, وهو ضعف الكبد, وكانت مدة ملكه سبعًا وأربعين سنة, وكان عمره لما ملك إحدى عشرة سنة, وقيل: ثماني سنوات وستة أشهر.
وكان رقيق القلب, خاشعًا, متجنبًا لسفك الدماء إلا في حدٍّ حليمًا يتجاوز عن الذنوب العظام, حسن الصحبة مع عبيده وأصحابه, مكرمًا لأهل العلم, كثير العطاء لهم, كريمًا, وهب مرة ألف دينار للمستنصر الزناتي وكان عنده وقد جاء هذا المال, فاستكثره, فأمر به فأفرغ بين يديه, ثم وهبه له, فقيل له: لم أمرت بإخراجه من أوعيته؟ قال: لئلا يقال: لو رآه ما سمحت نفسه به, وكان له شعر حسن.
ولما مات رثاه الشعراء, فمنهم أبو الحسن بن رشيق فقال:
لكل حي وإن طال المدى هُلُكُ
لا عز مملكة يبقى, ولا ملك
ما كان إلا حسامًا سله قدر
على الذين بغوا في الأرض وانهمكوا


رحم الله المعز بن باديس


الدولة الفاطمية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع