مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻غزوة تبوك

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


21/03/2023 القراءات: 218  


سلسلة السيرة النبوية

🔻غزوة تبوك

لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قسمة الغنائم في الجعرانة أهلّ معتمرا منها، فأدى العمرة، وانصرف بعد ذلك راجعا إلى المدينة بعد أن ولي على مكة عتاب بن أسيد
وبعد الرجوع إلي المدينة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يستقبل الوفود ، ولقد دخل الناس في دين الله أفواجا بعد فتح مكة
ووصلت الأنباء إلى المدينة بإعداد الروم للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين بعد غزوة مؤتة ، حتى كان الخوف يتسورهم كل حين، لا يسمعون صوتا غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان، ويظهر ذلك جليا مما وقع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا في هذه السنة (9 هـ) وكان هجرهن واعتزل عنهن في مشربة له، ولم يفطن الصحابة إلى حقيقة الأمر في بدايته فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقهن، فسرى فيهم الهم والحزن والقلق
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتيه أنا بالخبر- وكانا يسكنان في عوالي المدينة، يتناوبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم- ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه
فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال: افتح، افتح، فقلت: جاء الغساني؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه
البخاري وهذا يدل على خطورة الموقف. الذي كان يواجهه المسلمون بالنسبة إلى الروم
ويزيد ذلك تأكدا ما فعله المنافقون حينما نقلت إلى المدينة أخبار إعداد الروم لغزو المدينة ، فبرغم ما رآه هؤلاء المنافقون من نجاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الميادين، إلا إنهم كانوا يأملون في تحقق ما كانوا يخفونه في صدورهم، وما كانوا يتربصونه من الشر بالإسلام وأهله. ونظرا إلى قرب تحقق آمالهم أنشأوا وكرا للدس والتامر، في صورة مسجد، وهو مسجد الضرار، أسسوه كفرا وتفريقا بين المؤمن وإرصادا لمن حارب الله ورسوله
وعرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، وإنما مرامهم بذلك أن يخدعوا المؤمنين، فلا يفطنوا ما يؤتي به في هذا المسجد من الدس والمؤامرة ضدهم، ولا يلتفتوا إلى من يرده ، فيصير وكرا مأمونا لهؤلاء المنافقين ولرفقائهم في الخارج
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة فيه- إلى رجوعه من الغزوة- لشغله بالجهاز، ففشلوا في مرامهم وفضحهم الله، حتى قام الرسول صلى الله عليه وسلم بهدم المسجد بعد الرجوع من الغزو، بدل أن يصلي فيه. وصلت الأخبار إلى المدينة أن هرقل قد هيأ جيشا عظيما قوامه أربعون ألف مقاتل، وأعطى قيادته لعظيم من عظماء الروم و تمثل أمام المسلمين خطر كبير.
ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التأهب بدأ في التجهيز واستنفار المسلمين للخروج لملاقاة هذا العدوان ، وكان خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا الجيش فى شهر رجب سنة تسع من الهجرة, وجاء إعداد جيش تبوك في وقت حر شديد حتى كان المسلمين ينحرون البعير فيتشربون ما فى كرشة من الماء, وكذلك فى زمان من عسرة الناس وجدب البلاد, وحين أوشكت الثمار أن تنضج والقوم يحبون المقام فى ثمارهم وظلالهم ويكرهون الخروج للغزو فى ظل هذه الظروف
ولكل هذه الظروف التي اكتنفت إعداد هذا الجيش سمي (جيش العسرة) أي الشدة والضيق لأنه هناك عسرة فى الماء وفى الظهر وفى النفقة والآيات التي أنزلها الله فى سورة براءة هى أطول ما نزل فى قتال بين المسلمين وعدوهم
وقد أعلم الرسول صلى الله عليه و سلم المسلمين بهدف هذه الغزوة على خلاف عادته في كثير من الغزوات السابقة ليتأهبوا ويستعدوا فالقتال مع الروم هو صدام بأعظم قوة وأكبر دولة فى العصر, هذا بالاضافة إلى الصعاب التى اكتنفت هذه الغزوة
ولهذا كانت هذه الغزوة مقياسا صادقا ومناسبة مواتية لكشف النوايا وإظهار النفوس وإبراز المواقف على حقيقتها دون ما غش أو خداع
فقد تعلل المنافقون من المسلمين بعلل شتى وظهر خلال التجهيز والاستعداد نماذج من النفاق كشفها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وفضح نواياها- فها هو الجد بن قيس يخاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً : يا جد هل لك العام فى جلاد بنى الأصفر (الروم) فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي ما من رجل بأشد عجبا بالنساء منى وأنى لأخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقال : قد أذنت لك ،وفية نزل :{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} سورة التوبة 49
وكره آخرون الخروج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خوفا من العدو وفرار من الحر الشديد و في ذلك يقول الله تعالى :{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} سورة التوبة81
أما أهل الإيمان الثابت والعقيدة القوية من أهل الغنى فقد تسابقوا فى البذل والإنفاق في إعداد هذا الجيش فهذا عثمان بن عفان رضى الله عنه أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها
فقد جهز مائتا بعير للغزو وتصدق بها ثم تصدق بمائة بعير أخرى ، ثم جاء بألف دينار فنثرها في حجره صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» ، ثم تصدق وتصدق، حتى بلغ مقدار صدقته تسعمائة بعير ومائة فرس سوى النقود رضي الله عنه
وجاء أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، ولم يترك شئ لأهله ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " هل أبقيت لأهلك شيئا؟" وهو أول من جاء بصدقته ، وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله, وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بمائتي أوقيه من الفضة


سلسلة السيرة النبوية 🔻غزوة تبوك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع