مدونة سعد رفعت سرحت


لماذا الاستثناء منقطعٌ في أسلوب المدح بما يشبه الذم و عكسه؟.

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


19/02/2022 القراءات: 1174  




يقول أحمد شوقي:

حديثها السحر إلًا أنه نغم
جرى على فم داوود فغنّاها


تلحظ أن المستثنى مدح(حديثها السحر)و عند رؤية أداة الأستثناء(إلّا) تتوقعَّ أنّ الشاعر سيأتي بصفة ذمٍّ أو بشيء يخالف المدح ،و لكنَّه خيَّب توقعك ،إذ جاء بصفة مدح أخرى(أنه نغم) ليخلق بذلك مسافة جمالية عمادها تخييب توقعك.كذلك الحال في قول الشاعر:


فلا تجعلِ الإحسانَ في غيرِ أهلهِ
فما ذاك من خَيرٍ سوى أنّه شرُّ



قوله :(فما ذاك من خير)ذم،و انت تتوقّع أنّ الشاعر سيأتي بعد أداة الاستثناء بما يخالف الخير،ولكنّه على خلاف ما كنت تتوقّع جاء بالذم(سوى أنه شرّ) لكي يؤكد الذم و يخيّب توقّعك.


إذن ما نوع الاستثناء؟.


منقطع بكل تأكيد ،لأن الأصل في الٱستثناء الاتصال، و الاتصال يقتضي أن يكون المستنى مخالفًا للمستثنى ،فإذا كان المستثنى منه مدحًا فإنّ المستثنى يكون سلب شيء من هذا المدح.أي أنك تثبت صفة مدح ثمّ تأتي بأداة الاستثناء فتثبت صفة خارجة عن المدح.فالاستثناء أسلوب قائم على السلب،أمّا هنا فإن الشاعر لم يستثنِ شيئًا من المدح ،بل أضاف الى المدح مدحًا(=مدح الى مدح)،و هذا هو وجه الانقطاع.


و عندما نقول الاستثناء فن قائم على السلب،نعني أنه أشبه بعملية الطرح في الرياضيات(2-1)،ومن ثم ألا تلحظ أن الاستثناء في اسلوب (المدح بما يشبه الذم أو عكسه) يقرب الاستثاء من عملية طرح العدد من نفسه(2-2) أو من الجمع(2+2) و لهذا أوّل العلماء أداة الاستثناء في المنقطع ب(لكن)لأن فيها معنى الاستدراك،و الاستدراك يعني إضافة شيء الى شيء آخر ،وهكذا الاستثناء المنقطع فهو يضيف قيمة الى قيمة أخرى،بعكس الاستثناء المتصل الذي يسلب قيمة من قيمة أخرى !.


و قد جاء في الأثر أن رسول الله(ص)قال:((أنا أفصح العرب بيدَ أني من قريش...))فقوله(ص):(أنا أفصح العرب)مدح ،و قوله(أني من قريش)أيضا مدح،فما وظيفة أداة الاستثناء(بيد)؟.


وظيفة الٱستثناء هنا إضافة قيمة جمالية على الكلام ،و قد قلنا إن أسلوب المدح بما يشبه الذم ينهض على جمالية(كسر الألفة أو التوقّع)لخلق مسافة توتّر بين ما يألفه السامع و ما يسمعه،لأن المألوف في الوعي أن الاستثناء سلب صفة من صفة أخرى،أمَّا تأكيد صفة بصفة أخرى فليس مما يألفه الناس.

ثمَّ إنّ الرسول(ص)عندما قال(بيد أني من قريش)أراد(ص)أنه لم يجد صفة ذم ،فٱستدرك صفة مدح أخرى ليؤكّد أنه أفصح العرب حقًّا.

وما قيل عن (المدح بما يشبه الذم)ينسحب على (الذم بما يشبه المدح ،و هاك قول الشاعر:


لئيم الطّباع سوى أنّه. جبان يهون عليه الهوان


(لئيم الطباع)ذم، و أداة الاستثناء(سوى)توهمك بأن ما بعدها مدح أو تخفيف الذمّ،لولا أن الشاعر خيّب ظنّك و جاء بما يؤكّد الذم ،و كأنك به يريد أن يقول لك:(المهجو لئيم و لكن مع ذلك جبان ،لأنني لم أجد فيه شيئًا يبعث على المدح).





الاستثناء منقطع في أسلوب المدح بما يشبه الذم وعكسه


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع