مدونة عبدالحكيم الأنيس


النَّفح العُودي في طرائف أبي سليمان الجيرودي

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


27/02/2022 القراءات: 1076  


أبو سليمان محمود الجيرودي ظريفٌ مِن ظرفاء دمشق في القرن الماضي، كان -رحمه الله- يؤنسُ الناس بلطائفه ونُكته التي تنهال على لسانه بداهة، وهذه طاقةٌ مِن حكاياه ممّا رواه لي الشيخ محمد مطيع الحافظ الدمشقي، وفي "المصنَّف" لابن أبي شيبة عن قَسامة بن زهير قال: ‌"روِّحوا ‌القلوبَ تعي الذكر".
وقد دوَّن العلماء لطائف الخاصة والعامة، ومِن ذلك ما كتبه العلامة ابن طولون الدمشقي الصالحي (ت: 953) في كتابه "نفحات الزهر في ذوق أهل العصر".
***
- حدثني الشيخ مطيع -حفظه الله- أن أبا سليمان حضَرَ مجلسًا فيه علماء ووجهاء، منهم الشيخُ عبدالوهاب دبس وزيت الحافظ، والشيخ سعيد البرهاني، والشيخ أحمد نصيب المحاميد، وكان جالسًا إلى طاولةٍ وأحدُ قوائمها بين رجليه، فقال للحاضرين: ماذا بين رجليَّ؟ احزروا.
فقالوا له: ما هذا يا أبا سليمان؟ عيب!
فقال لهم: أين ذهبَ بالُكم؟ بين رجليَّ رجلُ الطاولة. فسكتوا.
وبعد ساعةٍ أعادَ عليهم السؤالَ فقال: ماذا بين رجليَّ؟
فقالوا له: رِجْلُ الطاولة.
فقال لهم: لا، ما حزرتم، بين رجليَّ الذي خَطَرَ لكم أولَ مرة!
***
-وحكى الحافظ لي قال: مشى أبو سليمان الجيرودي –أحد ظرفاء دمشق- مع الشيخ سعيد البرهاني في "حي العقيبة" بدمشق، وكانا حيثُ مشيا يسلِّمُ الناسُ على أبي سليمان، ويحتفون به، فقال له الشيخُ سعيد مداعبًا: ما هذا يا أبا سليمان؟ أنا شيخُهم وخطيبُ جامعهم (جامع التوبة) ولا يُسلِّمون عليَّ كما يُسلِّمون عليك! فقال له أبو سليمان: يا سيدي أعطِني (فرنكين) وخُذْ كلَّ هذه السلامات.
***
-وقال: عندنا في دمشق حارةٌ كبرى اسمُها "السمّانة"، وأخرى صغيرةٌ ضيّقةٌ اسمُها الشعيرية، وفيها أسرةٌ تُعرف بـ "بيت الرز"، فقال أبو سليمان الجيرودي: اخلطوها لنأكلَ "رزًّا".
***
-وحدثني أنه سمع أبا سليمان الجيرُودي يحكي أنه أحبَّ أن يحضرَ مجلسَ ذكرٍ وسماعٍ، فسألَ فدُلّ على مجلسٍ يقيمه الشيخُ عيد السفرجلاني ليلة الجمعة، فذهب إليه.
قال: فسمعتُهم يقرؤون قصيدةً بطريقةٍ سريعةٍ، فقلتُ لرجلٍ بجانبي: ماذا يقولون؟
فقال لي: أنتَ جئتَ أول مرة وتريد أنْ تفهم...أنا منذ ثلاثين سنة أحضر ولم أعرفْ ما يقولون بعدُ!
***
-وحدّثني قال: حكى أبو سليمان الجيرودي قال: تزوّج رجلٌ امرأةً ثيبًا لها بيتٌ، وحين دخلَ عليها وجدَ على المشجب طربوشًا وعقالًا وطاقية ...
فقال لها: ما هذا؟
فقالتْ: هذه أغطيةُ الرأس لأزواجي السابقين :فصاحبُ الطربوش سقطَ من السطح ومات، وصاحبُ العقال مرضَ ومات، وصاحبُ الطاقية قُتِلَ.
فنزَعَ الرجلُ ما على رأسه وعلَّقه على المشجب إلى جانب الطربوش والعقال والطاقية وقال لها: إذا سُئِلتِ عني فقولي: هذا الوحيد (إلي نَفَدَ بريشه) -أي هو الوحيد الذي خرَج ولم يُصب بسوء، تمثيلًا بالطير الذي لم يُنتفْ ريشه-. وخرج هاربًا ولم يعد.
قال الشيخ محمد مطيع: ويُقال عندنا في الشام لمثل هذه المرأة التي لا يَسلمُ لها زوجٌ: "أم كعب مدور".
***
-وحدَّثني الشيخ قال: لقي أبا سليمان المحامي النائب (فرزت م) على باب القصر العدلي، وكان مع فرزت أصحابُه من المحامين والقضاة، فقال لهم: أعرِّفكم بأبي سليمان وهو مِن ظرفاء الشام، وهو يعملُ مؤذِّنًا في جامع السنجقدار، وبرقبته أيضًا (اثنا عشر مرحاضًا) يقومُ عليها، فقال له أبو سليمان بديهةً: بل هي ثلاثة عشر مرحاضًا، فلماذا أكلتَ واحدًا منها؟
***
-وحدَّثني أن أبا سليمان كان يقولُ إنه سأل رجلًا مِنْ بلدٍ عربيٍّ آخر: هل تشربُ الشاي؟ قال: لا. فسأله ثانية: هل تشربُ القهوة؟ قال: لا (مصفِّي على الحشيشة). وظاهرُ قوله أنه مفتقرٌ ما عنده ما يشرب به شيئًا، وهو يريد شرب الحشيش.
وقال الشيخ مطيع: كان عند أبي سليمان حكايا عن كل بلد.
***


طرائف. الظرفاء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع